وقيل :﴿ تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ ﴾ آدم وولده، ﴿ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ ﴾ من إبليس وجنده.
قوله :﴿ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ﴾.
قال عطاء :﴿ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ ﴾ المهاجرين والأنصار، ﴿ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ﴾ فارس والروم.
وقيل :﴿ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ ﴾ محمداً وأصحابه، حين دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها، ﴿ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ﴾ أبا جهل وأصحابه، حين حُزَّت رؤوسُهم، وألْقُوا في القليب.
وقيل :﴿ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالإيمان والهداية، ﴿ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالكفر والضلالة.
وقيل :﴿ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالطاعة، ﴿ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالمعصيةِ.
وقيل :﴿ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالنصر، ﴿ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالقهرِ.
﴿ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالغنى، ﴿ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالفقرِ.
﴿ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالقناعة والرِّضا، ﴿ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ﴾ بالحرص والطمع.
قوله :﴿ بِيَدِكَ الخير ﴾ في الكلام حذف معطوف، تقديرُهُ : والشَّرُّ، كقَوْلِهِ تَعَالى ﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر ﴾ [ النحل : ٨١ ]، أي : وَالبَرْدَ.
وكَقَوْلِهِ :[ الطويل ]

١٣٨٩- كأنَّ الْحَصَى مِنْ خَلْفِهَا وَأمامِهَا إذَا أنْجَلَتْهُ رِجْلُهَا خَذْفُ أعْسَرَا
أي ويدها.
قال الزمَخْشَريُّ :« فَإن قُلْتَ : كَيْفَ قَالَ :» بِيَدِكَ الْخَيْرُ « دُونَ الشَّرِّ؟
قلت : لأنَّ الكَلامَ إنَّما وَقَعَ في الْخَيْرِ الَّذِي يَسُوْقُهُ اللهُ إلى الْمُؤمِنين، - وَهُوَ الَّذِي أنْكَرتهُ الْكَفَرةُ.
فقال :﴿ بِيَدِكَ الخير ﴾ تؤتِيْه أوْلِياءَكَ عَلى رَغْم مِنْ أعْدائِكَ »
.
وقيل : خَصَّ الخيرَ؛ لأنَّه فِي مَوْضِعِ دُعَاءٍ، وَرَغْبَةٍ فِي فَضْلِهِ.
وقيل : هَذَا مِنْ آدابِ الْقُرآنِ؛ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّح إلاَّ بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِخَلْقِه، وَمِثْلُه :« والشر ليس إليك »، وَقَوْلُهُ تَعَالى :﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [ الشعراء : ٨٠ ].

فصل


الألف وَاللامُ فِي « الْخَيْرِ » يُوجِبَانِ العُمُوم، وَالْمَعْنَى :[ أنَّ الْخَيْرَاتِ تَحْصُلُ ] بقدرتك، فَقولُهُ :« بِيَدِكَ » لاَ بِيَدِ غَيْركَ، كَقَوْلِهِ :﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [ الكافرون : ٦ ]، أي : لَكُم دِيْنُكُمْ لا لغيركم، وذَلِكَ الحَصْرُ منَافٍ لِحُصُولِ الْخَيْرِ بِيَدِ غَيْرِه فثبت دلالةُ الآيةِ عَلَى أنَّ الْجَمِيع مِنهُ بِخَلْقِه وتكوينه، وَإيْجَادِهِ وَفَضْلِهِ، وَأفضلُ الخيرات هو الإيمان بالله، فوجب أن يكون الخير من تخليق الله لا مِنْ تَخْلِيق الْعَبْدِ، وَهَذا استدلالٌ ظَاهرٌ.
وزاد بَعْضُهُم فَقَالَ : كُلُّ فَاعِلَيْنِ فِعْلُ أحدِهمَا أفْضَلُ مِنْ فِعْلِ الآخَرِ، كَانَ ذَلِكَ الفَاعِلُ أشْرَفَ وَأكْملَ من الآخرِ، وَلاَ شَكَّ أنَّ الإيمانَ أفْضَلُ مِنْ الْخَيْرِ، ومِنْ كُلِّ مَا سِوى الإيْمانِ، فَلَوْ كَانَ الإيمانُ بِخَلْقِ العبد - لا بِخَلْقِ اللهِ تعالى - لوجَبَ كَوْنُ العبْدِ زَائِداً في الخَيْرِية على اللهِ - تَعَالى - وَذَلِكَ كفر قبيح، فدلت الآية - من هذين الوجهين - على أنَّ الإيْمَانَ بِخَلْقِ اللهِ تَعَالَى.
فإن قيل : هَذِه الآيةُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ مِنْ وَجهٍ آخر؛ لأنه لما قال :﴿ بِيَدِكَ الخير ﴾ كان معناه : ليس بيدك إلا الخير، وهذا يقتضي أن لا يكونَ الكفرُ والمعصيةُ بيده.
فالجوابُ : أن قوله :﴿ بِيَدِكَ الخير ﴾ يُفيد أن بيدك الخير - لا بيد غيرك - فهذا ينافي أن يكون الخير بيد غيره، لكن لا ينافي أن يكون بيده الخير، وبيده ما سوى الخيرِ، إلا أنه خَصّ الخير بالذكر؛ لأنه الأمر المنتفَع به، فوقع التنصيص عليه لهذا المعنى.


الصفحة التالية
Icon