ففعل ذلك، فدعا الله تعالى - فتحوَّل ما في القدور طبيخاً، وما في الجوابي خَمْراً، لم يرى الناس مثلَه، فلما جاء الملك أكل، فلما شرب الخمرَ، قال : من اين هذا الخمر؟ قال : من أرض كذا، قال الملك : إن خمري من تلك الأرض وليست مثل هذه قال : هذه من أرض أخرى، فلما خلط على الملك، واشتد عليه، قال : أنا أُخْبِرُك، عندي غلام لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه وإنه دعا الله فجعل الماء خمراً وكان للملك ابن يُريد أن يستخلفه، فمات قبل ذلك بأيام - وكان أحبَّ الخلق إليه - فقال : إنه رجل دعا الله حتى جعل الماء خمراً ليُستجابَنَّ له حتى يُحْييَ ابني، فدعا عيسى فكلمه في ذلك فقا لعيسى : لا تفعل فإنه إن عاش وقع الشر فقال : ما أبالي ما كان - إذا رأيته - قال عيسى : فإن أحيَيْتُهُ تتركني وأمي نذهب حيث شئنا؟ قال : نعم. فدعا الله تعالى - فعاش الغلامُ، فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح وقالوا : أكلنا هذا، حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلفَ علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه؟ فاقتتلوا. وذهب عيسى وأمُّه فمروا بالحواريِّين - وهم يصطادون السمكَ - فقال ما تصنعون؟ قالوا : نصطاد السمك، قال : أفلا تمشون حتى تصطادوا الناسَ؟ قالوا : مَنْ أنت؟ قال : عيسى ابن مريم، عبد الله ورسوله، ﴿ مَنْ أنصاري إِلَى الله ﴾ ؟ فآمنوا به وانطلقوا معه وصار أمر عيسى مشهوراً في الخلق، فقصد اليهودُ قتلَه، وأظهروا الطعن فيه.
وثانيها : أن اليهود كانوا عارفين بأنه المسيح المبشَّر به في التوراة، وأنه ينسخ دينَهم، فكانوا هم أوَّل طاعنين فيه، طالبين قَتْلَهُ، فلما أظهر الدعوةَ، اشتد غضبهُم، وأخذوا في إيذائه وطلبوا قتله.
وثالثها : أن عيسى - عليه السلام - ظنّ من قومه الذين دعاهم إلى الإيمان أنهم لا يؤمنون به، وأن دعوته لا تنجع فيهم، فأحب أن يمتحنهم، ليتحقق ما ظنه بهم، فقال لهم :﴿ مَنْ أنصاري إِلَى الله ﴾ فما أجابه إلا الحواريُّونَ، فعند ذلك أحس بأن مَنْ سِوَى الحواريين كافرون، مصرون على إنكار دينه، وطلب قتله.
قوله :﴿ مَنْ أنصاري إِلَى الله ﴾ ؟ « أنْصَار » جمع نصير نحو شريف وأشراف.
وقال قوم : هو جمع نَصْر المراد به المصدر، ويحتاج إلى حذف مضاف أي مَنْ أصْحَابُ نُصْرَتي؟ و « إلى » على بابها، وتتعلق بمحذوف؛ لنها حال، تقديره : من أنصاري مضافين إلى الله، كذا قدره أبو البقاء.
وقال قوم إن « إلَى » بمعنى مع أي : مع الله، قال الفرَّاء : وهو وجه حسن. وإنما يجوز أن تجعل « إلَى » في موضع « مع » إذا ضَمَمْتَ الشيء إلى الشيء مما لم يكن معه، كقول العرب : الذود إلى الذَّوْدِ إبل، أي : مع الذود.


الصفحة التالية
Icon