والجوابُ : أن الله - تعالى - أخبرنا - أولاً - أنه خلق آدم من غير ذَكَرٍ، ولا أنثى، ثم ابتدأ أمراً آخر - يُريد أن يُخْبرَنا به - فقالَ : إني مُخبِرُكم - أيضاً بعد خبري الأولِ - أني قلتُ له : كُن فكان، فجاء « ثُمَّ » لمعنى الخبر الذي تقدم، والخبر الذي تأخر في الذكر؛ لأنَّ الخلقَ تقدم على قوله :« كُنْ ». وهذا كما تقولُ : أخْبِرُكَ أنِّي أعطيكَ اليومَ ألفاً ثم أخبرك أني أعطيتك أمسَ ألفاً، ف « أمسِ » متقدم على « اليوم » وإنما جاء ب « ثُمَّ » ؛ لأنَّ خبرَ « اليومَ » متقدِّمٌ خبر « أمس » ؛ حيث جاء خبرُ « أمس » بعد مُضِيِّ خَبَر « اليوم » ومثله قوله :﴿ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [ النساء : ١ ] - وقد خَلَقَنا بعد خلق زَوْجِها، ولكن هذا على الخبر دون الخلق؛ لأنَّ التأويلَ : أخبركُمْ أني قد خلقتُكُم من نفسٍ واحدةٍ-؛ لأن حواءَ قد خُلِقَتْ من ضِلعِهِ ثم أخبركم أني خَلَقْتُ زَوْجَهَا منها.
ومثل هذا قول الشاعر :[ الخفيف ]
١٤٩٠- إنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أبُوهُ | ثُمَّ قَدْ سَادَ بَعْدَ ذَلِكَ جَدُّهُ |
ويجوز أن يكون المرادُ خلقَهُ قالباً من ترابٍ، ثم قال له : كُنْ بَشَراً.
فإن قيل : الضميرُ في قوله :﴿ خَلَقَهُ ﴾ راجع إلى آدم، وحين كان تراباً لم يكن آدم موجوداً.
فالجواب : أن ذلك الهيكل لما كان بحيث يصير آدم عن قريب سماه آدم؛ تسمية للشيء بما يئول إليه.
قال أبُو مُسْلِم :« قد بَيَّنَّا أن لخلق هو التقدير والتسوية، ويرجع معناه إلى علم الله - تعالى - بكيفية وقوعه، وإرادته لإيقاعه على الوجه المخصوص، وكل ذلك مُتَقدِّم في الأزل، وأما قوله : كن، فهو عبارة عن إدخاله في الوجود، فثبت أن خلق آدم متقدِّم على قوله : كن ».
وقال بعضهم : المقول له : كن هو عيسى، ولا إشكال على هذا.
قوله :﴿ فَيَكُونُ ﴾ يجوز أن يكون على بابه من كونه مستقبلاً، والمعنى : فيكون كما يأمر الله - تعالى - فيكون حكاية للحال التي يكون عليها آدم.
قال بعضُهُمْ : معناه : اعلم يا محمد أن ما قال له ربُّك : كن فإنه يكون لا محالة.