قال أبو مُسْلِمٍ : هذا الكلام متصل بما قبله، ولا يجوز الوقف على قوله :﴿ الكاذبين ﴾، وتقدير الآية : فنجعلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِيْنَ بأن هذا هو القصص الحقُ، وعلى هذا التقدير كان حق « إنَّ » أن تكون مفتوحةً، إلا أنها كُسِرَت؛ لدخول اللاَّمِ في قوله :﴿ لَهُوَ الْقَصَصُ ﴾، كما في قوله :﴿ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ﴾ [ العاديات : ١١ ].
قال الباقون : الكلام تمّ عند قوله :﴿ عَلَى الكاذبين ﴾ وما بعده جملة أخْرَى مستقلة غير مُتعَلِّقةٍ بما قبلها، فَقَوْلُهُ :﴿ هذا ﴾ الكلام إشارةٌ إلى ما تقدم من الدلائلِ والدعاءِ إلى الْمُبَاهَلَةِ، وأخبار عيسى.
وقيل : هو إشارة لما بعده - وهو قوله :﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله ﴾ - وضُعفَ هذا بوجهين :
أحدهما : أنَّ هذا ليس بقصصٍ.
الثاني : أن مقترن بحرف العطف.
واعتذر بعضهم عن الأول، فقال : إن أراد بالقصص الخبر، فيصح على هذا، ويكون التقدير : إن الخبر الحق ﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله ﴾ ولكن الاعتراض الثاني باقٍ، لم يُجَبْ عنه.
و « هُوَ » يجوز أن يكون فَصْلاً، و « القصص » خبر « إن »، و « الْحَقُّ » صفته، ويجوز أن يكون « هو » مبتدأ و « الْقَصَصُ » خبره، والجملة خبر « إنَّ ».
والقصص مصدر قولهم : قَصَّ فلانٌ الحديثَ، يَقُصُّهُ، قَصًّا، وقَصَصاً وأصله : تتبع الأثَر، يقال : فلان خرج يقصُّ أثَرَ فلان، أي : يتبعه، ليعرف أين ذَهَبَ. ومنه قوله :﴿ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ [ القصص : ١١ ]، أي، اتبعي أثره، وكذلك القاصّ في الكلام، لأنه يتتبع خَبراً بعد خبر. وقد تقدم التنبيه على قراءتي « لهْو » بسكون الهاء وضمها؛ إجراء لها مجرى عضد.
قال الزمخشريُّ : فإن قلتَ : لم جاز دخولُ اللامِ على الفَصْل؟
قلت : إذا جاز دخولُها على الخبر كان دخولُها على الفَصْل أجودَ؛ لأنه أقرب إلى المبتدأ منه وأصلها أن تدخل على المبتدأ.
قوله :﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله ﴾ يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن ﴿ مِنْ إله ﴾ مبتدأ، و « مِنْ » مزيدة فيه، و « إلاَّ اللهُ » خبره، تقديره : ما إلَهٌ إلا اللهُ، وزيدت « مِنْ » للاستغراق والعموم.
قال الزمخشريُّ : و « مِنْ » - في قوله :﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله ﴾ - بمنزلة البناء على الفتح في : لا إلَهَ إلا اللهُ - في إفادة معنى الاستغراق.
قال شهابُ الدينِ : الاستغراق في : لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، لم نستفده من البناء على الفتح، بل استفدناه من « مِنْ » المقدَّرة، الدالة على الاستغراق، نَصَّ النحويون على ذلك، واستدلوا عليه بظهورها في قول الشاعر :[ الطويل ]
١٤٩٥- فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِهِ... وَقَالَ : ألاَ لاَ مِنْ سَبيلٍ إلَى هِنْدٍ