فإن تضمن وقوع الفعلِ امتنع النصبُ عندَه، نحو : لِمَ ضربتَ زيداً فيجازِيَك؛ لأن الضرب قد وقع. ولم يشترط غيرُهما - من النحويين - ذلك، بل إذا تعذر سَبْك المصدر مما قبله - إمَّا لعدم تقدُّمِ فعل، وأما لاستحالة سَبْك المصدر المراد به الاستقبال؛ لأجل مُضِيِّ الفعل - فإنما يقدر مصعد مقدَّراً استقبالُه بما يدل عليه المعنى، فإذا قلت : لِمَ ضربتَ زيداً فاَضْرِبَك؟ فالتقدير : ليكن منك إعلام بضَرْبِ زيدٍ فمجازاة منا، وأما ما ردَّ به أبو علي الفارسي على الزجَّاج والفرَّاء ليس بلازم؛ لأنه قد منع أن يراد بالفعل المُضِيَّ معنى إذ ليس نصًّا في ذلك؛ إذْ قد يمكن الاستقبال لتحقيق صدوره لا سيما على الشخص الذي صدر منه أمثال ذلك، وعلى تقدير تحقُّق المُضِي فلا يلزم - أيضاً - لأنه - كما تقدم - إذا لم يُمْكن سَبْك مصدر مستقبل من الجملة الاستفهامية سبكناه من لازمها، ويدل على إلغاء هذا الشرطِ، والتأويل بما ذكرناه ما حكاه ابنُ كَيْسَان من رفع المضارع بعد فعلٍ ماضٍ، محقَّق الوقوع، مستفهَم عنه، نحو : أين ذهب زيد فنتَّبعُه؟ ومن أبوك فنكرمه؟ وكم مالك فنعرفُه؟ كل ذلك متأوَّل بما ذكرنا من انسباك المصدر المستقبل من لازم الجُمَل المتقدمة، فإن التقدير : ليكن منك إعلامٌ بذهاب زيد فاتباعٌ منا، وليكن منك إعلام بأبيك فإكرام له منا، وليكن منك تعريف بقدر مالك فمعرفة مِنَّا.
قال شهابُ الدِّينِ :« وهذا البحثُ الطويلُ على تقدير شيء لم يَقَعْ، فإنه لم يُقْرَأ - لا في الشاذ ولا في غيره - إلا ثابتَ النون، ولكن للعلماء غرضٌ في تطويل البحث، تنقيحاً للذهن ».
ووراء هذا قراءة مُشْكِلَة، رَوَوْها عن عُبَيْد بن عُمَير، وهي : لِمَ تَلْبسُوا الحق بالباطل وَتَكْتُمُوا بحذف النون من الفعلين - وهي قراءة قراءة لا تَبْعد عن [ لَغطِ البحث ]، كأنه توهم أن « لَمْ » هي الجازمة، فجزم بها، وقد نقل المفسّرونَ عن بعض النُّحَاةِ - هنا - أنهم يجزمون بلم حملاً على « لم » - نقل ذلك السجاونديُّ وغيره عنهم، ولا أظن نحويّاً يقول ذلك ألبتة، كيف يقولون في جار ومجرور : إنه يَجْزِم؟ هذا ما لا يُتفَوَّهُ به ألبتة ولا نطيق سماعه، فإن ثبتت هذه القراءةُ ولا بد فلتكن مما حُذِف فيه نونُ الرفع تخفيفاً؛ حيث لا مقتضى لحَذْفها، ومن ذلك قراءة بعضهم :