اللام في « لِمَنْ » فيها وجهان :
أحدهما : أنها زائدة مؤكِّدة، كهي في قوله تعالى :﴿ قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم ﴾ [ النمل : ٧٢ ] أي : ردفكم وقول الآخر :[ الوافر ]
١٥١١- فَلَمَّا أنْ تَوَاقَفْنَا قَلِيلاً | أنَخْنَا لِلْكَلاَكِلِ فَارْتَميْنَا |
١٥١٢- مَا كُنْتُ أخْدَعُ لِلْخَلِيلِ بِخُلَّةٍ | حَتَّى يَكُونَ لِيَ الْخَلِيلُ خَدُوعَا |
١٥١٣- يَذُمُّونَ لِلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْلِبُونَهَا | أفَاوِيقَ حَتَّى ما يَدِرُّ لَهَا فَضْلُ |
قال شهابُ الدينِ : وأظن البيتَ : يذمون لِي الدنيا - فاشتبه اللفظ على السامع - وكذا رأيته في بعض التفاسيرِ، وهذا الوجه ليس بالقوي.
الثاني : أن « آمن » ضُمِّن معنى أقَرَّ واعْتَرَف، فعُدِّيَ باللام، أي : ولا تُقِرّوا، ولا تعترفوا إلا لمن تبع دينكم، ونحوه قوله :﴿ فَمَآ آمَنَ لموسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ ﴾ [ يونس : ٨٣ ] وقوله :﴿ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ﴾ [ يوسف : ١٧ ] وقال أبو علي : وقد يتعدَّى آمن باللام في قوله :﴿ فَمَآ آمَنَ لموسى ﴾ [ يونس : ٨٣ ]، وقوله :﴿ آمَنتُمْ لَهُ ﴾ [ طه : ٧١ ]، وقوله :﴿ يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ التوبة : ٦١ ] فذكر أنه يتعدى بها من غير تضمين، والصَّوَابُ التضمين وقد تقدم تحقيقه أول البقرة. وهنا استثناء مُفَرَّغٌ.
وقال أبو البقاء :﴿ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه استثناء مما قبلَه، والتقديرُ : ولا تَقرُّوا إلا لمن تبع، فعلى هذا اللام غير زائدة ولا يجوز أن تكون زائدة ويكون محمولاً على المعنى، أي اجْحَدوا كُلَّ أحد إلا من تبع دينكم.
والثاني : أن النية به التأخير، والتقدير : ولا تُصَدِّقُوا أن يؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم؛ فاللام على هذا - زائدة، و « مَنْ » في موضع نصب على الاستثناء من أحد.
وقال الفارسيُّ : الإيمان لا يتعدى إلى مفعولين، فلا يتعلق - أيضاً - بجارين، وقد تعلَّق بالجار المحذوف من قوله :﴿ أَن يؤتى ﴾ فلا يتعلق باللام في قوله :﴿ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ إلا أن يحمل اللام على معناه، فيتعدى إلى مفعولين، ويكون المعنى : ولا تُقِرُّوا بأن يُتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينَكم، كما تقول : أقررت لزيد بألفٍ، فتكون اللام متعلقة بالمعنى، ولا تكون زائدة على حد :﴿ رَدِفَ لَكُمْ ﴾ [ النمل : ٧٢ ] و ﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ [ يوسف : ٤٣ ] وهذا تَصْرِيحٌ من أبي علي بأنه ضمن « آمن » معنى « أقَرَّ ».
فصل
اتفق المفسّرون على أن هذا بقية كلامِ اليهودِ، وفيه وجهانِ :
الأول : أن معناه : ولا تُصَدِّقُوا إلا بنبي يُقرِّر شرائعَ التوراةِ، ومَنْ جاء بتغيير شرع من أحكام التوراة، فلا تصدقوه، وعلى هذا التفسير تكون اللام في ﴿ لِمَنْ تَبِعَ ﴾ صلة زائدة.
الثاني : معناه : لا تأتوا بذلك الإيمان إلا لأجل مَنْ تبع دينكم، أي : ليس الغرضُ من الإتيان بذلك التلبيس إلا بقاء أتباعكم على دينكم، فإنّ مقصود كلِّ أحد حفظ أتباعه وأشياعه على متابعته.