قال الزمخشريُّ في تقرير هذا الوجه - وبه بدأ- :﴿ وَلاَ تؤمنوا مُتَعَلِّقٌ بقوله :{ أَن يؤتى أَحَدٌ ﴾ وما بينهما اعتراضٌ، أي : ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم، وأسِرُّوا تصديقكُمْ بأن المسلمين قد أوتوا مثل ما أوتيتم، ولا تُفْشُوه إلا لأشياعكم - وحدهم - دون المسلمين؛ لئلاَّ يزيدَهم ثباتاً، ودون المشركين، لئلا يدعوهم إلى الإسلام.
﴿ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ﴾ عطف على ﴿ أَن يؤتى ﴾ والضمير في ﴿ يُحَاجُّوكُمْ ﴾ لِ ﴿ أَحَدٌ ﴾ لأنه في معنى الجميع، بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم بأن المسلمين يحاجونكم عند ربكم بالحق، ويغالبونكم عَنْدَ اللهِ - تعالى - بالحُجَّةِ.
فإن قلت : ما معنى الاعتراضِ؟
قلت : معناه : إن الهدَى هُدى الله، من شاء يَلْطُف به حتى يُسلم، أو يزيد ثباتاً، ولم ينفع كيدكم وحِيَلُكم، وذَبُّكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين، وكذلك قوله :﴿ قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ﴾ يريد الهداية والتوفيق.
قال شهاب الدينِ :« وهذا كلامٌ حسَنٌ، لولا ما يُريد بباطنه »، وعلى هذا يكون قوله :﴿ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ ﴾ مستثْنَى من شيء محذوفٍ، تقديره : ولا تُؤمنوا بأن يُؤتَى أحد مل ما أوتيتم لأحد من الناس إلا لأشياعكم دون غيرهم، وتكون هذه الجملة - أعني قوله :﴿ وَلاَ تؤمنوا ﴾ من كلام الطَّائِفَةِ المتقدمة، أي وقالت طائفةٌ كذا، وقالت أيضاً : ولا تؤمنوا، وتكون الجملة من قوله :﴿ قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله ﴾ من كلام اللهِ لا غير «.
قال ابن الخطيبِ : وعندي أن هذا التفسير ضعيف من وُجُوهٍ :
الأول : أن جدَّ القوم في حفظ أتباعهم عن قبول دين محمَّد ﷺ كان أعظمَ من جدهم في حفظِ غير أتباعهم عنه، فكيف يليق أن يوصِيَ بعضُهم بعضاً بالإقرار بما يدل على صحة دين محمَّد ﷺ عند أتباعهم، وأشياعهم، وأن يمتنعوا من ذلك عند الأجانب؟ هذا في غاية البعد.
الثاني : أن على هذا التقدير لا بد من الحَذْف؛ فإن التقدير : قل إن الهُدَى هُدَى اللهِ، وإنّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ، وَلا بُدَّ مِنْ حَذْفِ قَلْ في قوله :﴿ قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله ﴾.
الثالث : أنه كيف وقع قوله :﴿ قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله ﴾ فيما بين جزأي كلام واحد؟ هذا في غاية البعد عن الكلام المستقيم.
الوجه الثاني : أن اللام زائدة في ﴿ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ وهو مستثنى من » أحَدٌ « المتأخِّر، والتقدير : ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا مَنْ تَبعَ دينَكُمْ، ف ﴿ لِمَنْ تَبِعَ ﴾ منصوب على الاستثناء من » أحد «، وعلى هذا الوجه جوَّز أبو البقاء في محل ﴿ أَن يؤتى ﴾ ثلاثة أوجهٍ :
الأول والثاني : مذهب الخليل وسيبويه، وقد تَقَدَّمَا.