إلا أن هذا يخصُّه بعضهم بضرورة الشعر، وليس كما قال، لما سيأتي.
وقد طعن بعضهم على هذه القراءةِ، فقال الزَّجَّاجُ : هذا الإسكان الذي رُوِيَ عن هؤلاء غلط بَيِّنٌ؛ وأن الفاء لا ينبغي أن تُجْزَم، وإذا لم تُجْزَم فلا تسكن في الوصل، وأما ابو عمرو فأُراه كان يختلس الكسرة، فغلط عليه كما غلط عليه في « باريكم ». وقد حكى عنه سيبويه - وهو ضابط لمثل هذا - أنه كان يكسر كسراً خفياً، يعني يكسر في ﴿ بَارِئِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٥٤ ] كسراً خفيًّا، فظنه الراوي سكوناً.
قال شهابُ الدينِ : وهذا الرد من الزجَّاج ليس بشيءٍ لوجوه :
منها : أنه فَرَّ من السكون غلى الاختلاس، والذي نصَّ على أن السكون لا يجوز نص على أنَّ الاختلاس - ايضاً - لا يجوز إلا في ضرورة، بل جعل الإسكان في الضرورة أحسن منه في الاختلاس، قال : ليُجْرَى الوصلُ مجرى الوقف إجراء كاملاً، وجعل قوله :[ البسيط ]
١٥١٨-............................ | إلاَّ لأن عُيُونَهْ سَيْلُ وَادِيهَا |
١٥١٩-............................. | مَا حَجَّ رَبَّهُ في الدُّنْيَا ولا اعْتَمَرَ |
ومنها أن هذه لغة ثابتة عن العرب حفظها الأئمة الأعلام كالكسائي والفراء - حكى الكسائيُّ عن بني عقيل وبني كلابٍ ﴿ إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُود ﴾ [ العاديات : ٦ ] - بسكون الهاء وكسرها من غير إشباع-.
ويقولون : لَهُ مال، ولَهْ مالٌ - بالإسكان والاختلاس.
قال الفراء : من العرب مَنْ يجزم الهاء - إذا تحرَّك ما قبلَها - نحو ضَرَبْتُهْ ضرباً شديداً، فيسكنون الهاء كما يسكنون ميم « أنتم » و « قمتم » وأصلها الرفع.
وأنشد :[ الرجز ]
١٥٢٠- لمَّا رَأى أن لا دَعَهْ ولا شِبَعْ | مَالَ إلَى أرْطَاةِ حِقف فالطَدَعْ |
وزعم بعضهم أن الفعلَ لما كان مجزوماً، وحلت الهاءُ محلّ لامِهِ جرى عليها ما يَجْرِي على لام الفعل - من السكون للجزم - وهو غير سديدٍ.
وأما قراءة قالون فأنشدوا عليها قول الشاعر :[ الوافر ]
١٥٢١- لَهُ زَجَلٌ كأنَّهُ صَوْتُ حَادٍ | إذَا طَلَبَ الْوَسِيقَةَ أوْ زَمِيرُ |
١٥٢٢- أنَا ابْنُ كِلابٍ وابْنُ أوْسٍ فَمَنْ يَكُنْ | قِنَاعُهُ مغْطِيًّا فَإنِّي لَمُجْتَلى |