قال سيبويه :« وربما جاء » فعيلاً « وهو قليل - نحو الكليب والعبيد ». فلما كان « فِعَال » مقيساً في جمع « عبد » جاء « عباد » كثيراً، وأما ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [ فصلت : ٤٦ ] فحسَّنَ مجيئه هنا - وإن لم يكن مقيساً - أنه جحاء لتواخي الفواصل، ألا ترى أن قبله :﴿ أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [ فصلت : ٤٤ ] وبعده ﴿ قالوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ ﴾ [ فصلت : ٤٧ ] فحَسَّنَ مجيئه بلفظ العبيد مؤاخاة هاتين الفاصلتين. ونظير هذا - في سورة ق - ﴿ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [ ق : ٢٩ ] لأن قبله :﴿ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد ﴾ [ ق : ٢٨ ]. وبعده :﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ [ ق : ٣٠ ] وأما مدلوله فمدلول « عباد » سواء، وأما بيت امرئ القيس فلم يُفْهَم التحقير من لفظ « عبيد » إنما فُهم من إضافتهم إلى العصا، ومن مجموع البيت. وكذلك قول حمزةَ : هل أنتم إلا عبيد؟ إنما فهم التحقير من قرينة الحال التي كان عليها، وأتى في البيت وفي قول حمزة على أحد الجائزين.
وقال شهابُ الدينِ :« رده عليه استقراءه من غير إثباته ما يجرِّم الاستقراء مردود، وأما ادِّعاؤه أن التحقير مفهوم من السياق - دون لفظ - » عبيد « - ممنوع؛ لأنه إذا دار إحالة الحكم بين اللفظ وغيره، فالإحالة على اللفظ أوْلَى ».
قوله :« لي » صفة ل « عباد ». و ﴿ مِن دُونِ الله ﴾ متعلق بلفظ « عِبَاداً لما فيه من معنى الفعل، ويجوز أن يكون صفة ثانية، وأن يكون حالاً؛ لتخصُّص النكرة بالوصف.
قوله :﴿ ولكن كُونُواْ ﴾ أي : ولكن يقول : كونوا، فلا بد من إضمار القول هنا، ومذهب العرب جواز الإضمار إذا كان في الكلام ما يدل عليه، كقوله تعالى :﴿ فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ] أي : يقال لهم ذلك.
والربانيون : جمع رَبَّانِيّ، وفيه قولان :
أحدهما : قال سيبَوَيْهِ : إنه منسوب إلى الرَّبّ، يعني كونه عالماً به، ومواظباً على طاعته، كما يُقال : رجل إلهيّ إذا كان مقبلاً على معرفة الإلهِ وطاعتِهِ، والألف والنونُ فيه زائدتان في النسبِ، دلالةٌ على المبالغة كرقباني وشَعراني، ولِحْيَاني - للغليظِ الرقبةِ، والكثيرِ الشعرِ، والطويلِ اللحيةِ - ولا تُفرد هذه الزيادة عن النسب أما إذا نسبوا إلى الرقبة والشعر واللحية - من غير مبالغة : قالوا : رَقَبيّ وشَعْرِيّ ولحويّ.
الثاني : قال المُبَرِّدُ : الربانيون : أرباب العلم، منسوب إلى رَبَّان، والربان : هو المُعَلِّم للخير، ومَن يوسوس للناس ويعرِّفُهم أمرَ دينهم، فالألف والنون والتاء على زيادة الوصف، كهي في عطشان وريان وجوعان ووسنان، ثم ضمت إليه ياء النسب - كما قيل : لحيانيّ ورقبانيّ - وتكون النسبة - على هذا - في الوصف نحو أحمري، قال :[ الرجز ]
١٥٢٨- أطَرَباً وَأنتَ قِنَّسْرِيُّ | وَالدَّهْرُ بِالإنْسَانِ دَوَّارِيُّ |