وقال سيبويه : زادوا ألفاً ونوناً ف يالربانيّ؛ لأنهم أرادوا تخصيصاً بعلم الرَّبِّ دون غيره من العلوم، وهذا كما يقال : شعرانيّ ولحيانيّ ورقبانيّ.
قال الواحديُّ : فعلى قول سيبويه الرباني منسوب إلى الربِّ مأخوذٌ من التربية.
وفي التفسير : كونوا فقهاء، علماء، عاملين. قاله عليٌّ وابن عباس والحسنُ.
وقال قتادةُ : حكماء، علماء وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : فقهاء، معلمين.
وقل عطاءٌ : علماء، حكماء، نصحاء لله في خلقه.
وقيل : الرَّبَّانِيّ : الذي يُربِّي الناسَ بصغار العلم قَبل كِباره.
وقال سعيد بن جُبَيرٍ : الرباني : العالم الذي يعمل بعلمه.
وقيل : الربانيون فوق الأحبار، والأحبارُ : العلماء، والربانيون : الذين جمعوا مع العلم البصارة لسياسة الناس، ولما مات ابنُ عبَّاسٍ قال محمدُ بنُ الحنفيةَ : اليوم مات رَبَّانِيُّ هذه الأمة.
وقال ابنُ زيدٍ : الربانيُّ : هو الذي يربُّ النَّاسَ، والربانيون هم : ولاة الأمة والعلماء، وذكروا هذا - أيضاً - في قوله تعالى :﴿ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الربانيون والأحبار ﴾ [ المائدة : ٦٣ ] أي : الولاة والعلماء، وهما الفريقان اللذان يطاعان.
ومعنى الآية - على هذا التقدير - لا أدعوكم إلى أن تكونوا عباداً لي، ولكن أدعوكم إلى أن تكونوا ملوكاً وعلماء باستعمالكم أمر الله تعالى، ومواظبتكم على طاعته.
قال القفال : يحتمل أن يكون الوالي، سُمِّي ربانيًّا؛ لأنه يُطاع كالربِّ، فنسب إليه.
قال أبو عبيدة : أحسب أن هذه الكلمة ليست بعربيةٍ، إنما هي عبرانية، أو سريانية، وسواء كانت عبرانية، أو سريانية، أو عربية فهي تدل على الإنسان الذي عَلِمَ وعَمِلَ بما عَلِم، ثم اشتغل بتعليم الخيرِ.
قوله :﴿ بِمَا كُنْتُمْ ﴾ الباء سببية، أي : كونوا علماء بسبب كَوْنِكُمْ، وفي متعلق هذه الباء ثلاثة أقوالٍ :
أحدها : أنها متعلقة ب « كُونُوا » ذكره أبو البقاء، والخلاف مشهورٌ.
الثاني : أن تتعلق ب « رَبَّانِيِّينَ » لأن فيه معنى الفعل.
الثالث : أن تتعلق بمحذوف على أنها صفة ل « رَبَّانِيِّينَ » ذكره أبو البقاء، وليس بواضح المعنى، و « ما » مصدرية، فتكون مع الفعل بتأويل المصدر، أي : بسبب كونكم عالمينَ، نظيره قوله :﴿ اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ ﴾ [ الجاثية : ٣٤ ]. وظاهر كلام أبي حيان أنه يجوز أن تكون غير ذلك؛ فإنه قال : و « ما » الظاهر أنها مصدرية، فهذا يوم تجويز غير ذلك - وفي جوازه بُعْد - وهو أن تكون موصولة، وحينئذ تحتاج إلى عائد وهو مقدر، أي بسبب الذي تعلمون به الكتاب، وقد نقص شرطٌ، وهو اتحاد المتعلَّق، فلذلك لم يظهر جعلها غير مصدرية. و « كُنْتُمْ » معناه « أنتم » كقوله :﴿ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٩ ] أي مَنْ هو في المهد.
قوله :﴿ تَعْلَمُونَ ﴾ قرأ نافعٌ وابنُ كثير وأبو عمرو « تَعْلَمُونَ » مفتوح حرف المضارعة، ساكن العين مفتوح اللام من عَلِم يَعْلَم، أي : تعرفون، فيتعدى لواحدٍ، وباقي السبعة بضم حرف المضارعة، وفتح العين وتشديد اللام مكسورةً، فيتعدى لاثنين، أولهما محذوف، تقديره : تُعَلِّمُونَ الناسَ والطالبين الكتاب.


الصفحة التالية