ويجوزُ أن لا يُراد مفعول، أي : كنتم من أهل التعليم، وهو نظير : أطعم الخبزَ، المقصود الأهم إطعام الخُبْز من غير نظرٍ إلى مَنْ يُطْعمُه، فالتضعيف فيه للتعدية.
وقد رجح جماعة هذه القراءة على قراءة نافع، بأنها أبلغ؛ وذلك أن كل مُعَلِّم عالم، وليس كُلُّ عالمٍ معلماً، فالوصْف بالتعليم أبلغ، وبأن قبله ذِكْرَ الربانيين، والرباني يقتضي أن يَعْلَم، ويُعَلَّمَ غيرَه، لا أن يقتصر بالعلم على نفسه.
ورجح بعضُهم الأولى بأنه لم يُذْكَر إلا مفعول واحدٌ، والأصل عدم الحذف - والتخفيف مُسوَّغ لذلك، بخلاف التشديد، فإنه لا بدّ من تقدير مفعول. وأيضاً فهو أوفق لِ « تَدْرُسُونَ ». والقراءتان متواترتان، فلا ينبغي ترجيحُ إحداهما على الأخْرى.
وقرأ الحسن ومجاهدٌ « تَعَلَّمُونَ » - بفتح التاء والعين، واللام مشددة - من تعلم، والأصل تتعلمون - بتاءين - فحُذِفَتْ إحداهما.
قوله :﴿ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ كالذي قبله، والعامة على « تَدْرُسُونَ بفتح التاء، وضم الراء - من الدرس، وهو مناسب » تَعْلَمُونَ « من علم - ثلاثياً.
قال بعضهم : كان حق من يقرأ » تُعَلِّمون « - بالتشديد - أن يقرأ » تُدَرِّسُونَ « - بالتشديد وليس بلازمٍ؛ إذ المعنى : صرتم تُعَلِّمون غيرَكم، ثم تُدَرِّسُونَ، وبما كنتم تدرسون عليهم - أي : تتلونه عليهم، كقوله :﴿ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس ﴾ [ الإسراء : ٦ ].
قال أبو حَيْوَةَ - في إحدى الرواتين عنه - » تَدْرِسُونَ « - بكسر الراء - وهي لغة ضعيفة، يقال : دَرَس العلم يدرسه - بكسر العين في المضارع - وهما لغتان في مضارع » درس « وقرأ هو - أيضاً - في رواية » تُدَرِّسُونَ « من درَّس - بالتشديد - وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون التضعيف فيه للتكثير موافقاً لقراءة » تَعْلَمُونَ « بالتخفيف.
الثاني : أن التضعيف للتعدية، ويكون المفعولان محذوفين؛ لغهم المعنى، والتقدير : تُدَرِّسُونَ غيركم العلم، أي : تحملونهم على الدرس. وقُرِئَ » تُدْرِسُونَ « من أدرس - كيكرمون من أكرم - على أن أفعل بمعنى فعل - بالتشديد - فأدرس ودرّس واحد كأكرم وكرّم، وأنزل ونزّل.
والدرس : التكرار والإدمان على الشيء. ومنه : درس زيد الكتاب والقرآن، يدرُسه ويدرِسه، أي : كرر عليه، ويقال درست الكتاب، أي : تناولت أثره بالحفظ، ولما كان ذلك بمداومة القرآن عبر عن إدامة القرآن بالدرس. ودَرَس المنزلُ : ذهب أثرُه، وطلَلٌ عافٍ ودارس بمعنًى.
قوله :﴿ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ ﴾ قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بنصب يَأمُرَكُمْ » والباقون بالرفع وأبو عمرو على أصله من جواز تسكين الراء والاختلاس، وهي قراءة واضحة، سهلة التخريج، والمعنى، وذلك أنها على القطع والاستئناف.
أخبر تعالى - بأن ذلك الأمر لا يقع، والفاعل فيه احتمالان :
أحدهما : هو ضمير الله - تعالى -.