قوله :﴿ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ ﴾ فاعل « قَالَ » يجوز أن يكون ضمير الله - تعالى - وهو الظاهر - وأن يكون ضمير النبي الذي هو واحد النبيين، خاطب بذلك أمَّته، ومتعلَّق الإقرار محذوف، أي : أقررتم بذلك كله؟ والاستفهام - على الأول - مجاز؛ إذ المراد به التقرير والتوكيد عليهم؛ لاستحالته في حق الباري تعالى، وعلى الثاني : هو استفهام حقيقة.
و « إصري » على الأول - الياء لله - تعالى - وعلى الثاني للنبيّ ﷺ.
وقرأ الامة « إصري » بكسر الهمزة، وهي الفصحى، وقرأ أبو بكر عن عاصم - في رواية - « أُصْرِي » بضمها ثم المضموم الهمزة يحتمل أن يكون لغة في المكسور - وهو الظاهرُ - ويحتمل أن يكون جمع إصار ومثله أزُر في جميع إزار، والإصر : الثقل الذي يلحق الإنسان؛ لأجل ما يلزمه من عَمَلٍ، قال الزمخشري :« سُمِّي العهدُ إصْراً؛ لأنه مما يؤصر، أي : يُشَدّ، ويُعْقَد، ومنه الإصار الذي يُعْقَد به » وتقدم الكلام عليه في آخر البقرة.

فصل


إذا قلنا : إن اللهَ - تعالى - هو الذي أخذ الميثاق على النبيين كان قوله ﴿ أَأَقْرَرْتُمْ ﴾ معناه : أأقررتم بالإيمان به، والنَّصْرِ له.
وذلك حين استخرج الذرية من صلب آدَمَ والأنبياء فيهم كالمصابيح - وأخذ عليهم الميثاق في أمر محمد ﷺ ثم قال :﴿ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي ﴾ ؟ أي قبلتم على ذلك عهدي.
والإصر : العهد الثقيل؛ والإقرار في اللغة منقول بالألف من قَرَّ الشيء يَقِرُّ إذا ثبت ولزم مكانه، وأقره غيره، والمقرُّ بالشيء، يُقِرُّه على نفسه، أي : يثبته.
والأخذ بمعنى القبول كثير في كلامهم، قال تعالى :﴿ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ [ البقرة : ٤٨ ] أي : لا تُقْبَل فِدْيَةٌ.
وقال :﴿ وَيَأْخُذُ الصدقات ﴾ [ التوبة : ١٠٤ ] أي : يقبلها.
وقوله :﴿ أَقْرَرْنَا ﴾ أي : بالإيمان به، وبنصرته، وفي الكلام حذف جملة، حُذِفَت لدلالة ما تقدم عليها؛ إذ التقدير : قالوا : أقررنا، وأخذنا إصرك على ذلك كلِّه.
وقوله :﴿ فاشهدوا ﴾ هذه الفاء عاطفة على جملة مقدَّرة، و التقدير : قال : أأقررتم؟ فاشهدوا، ونظير ذلك : ألقيت زيداً؟ قال : لقيته، قال : فأحْسِنْ إليه. التقدير : القيت زيداً، فأحسن إليه، فما فيه الفاء بعض المقول، ولا جائز أن يكون كل المقول؛ لأجل الفاء، ألا ترى قوله :﴿ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ ﴾ وقوله :﴿ قالوا أَقْرَرْنَا ﴾.
لو كان كلّ المقول لم تدخل الفاء، قاله أبو حيان.

فصل


في معنى قوله :﴿ فاشهدوا ﴾ وجوه :
الأول : فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار، ﴿ وَأَنَاْ مَعَكُمْ ﴾ أي : وأنا على إقراركم، وإشهاد بعضكم بعضاً ﴿ مِّنَ الشاهدين ﴾ وهذا توكيد وتحذير من الرجوع إذا علموا شهادةَ الله، وشهادة بعضهم على بعض.
الثاني : أن هذا خطاب للملائكة بأن يشهدوا عليهم، قاله سعيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ.
الثالث : أن قولِه :﴿ فاشهدوا ﴾ إشهاد على نفسه، ونظيره قوله :


الصفحة التالية
Icon