قوله :﴿ مُبَارَكاً وَهُدًى ﴾ حالان، إما من الضمير في « وُضِعَ » كذا أعربه أبو البقاء وغيره، وفيه نظر؛ من حيث إنه يلزم الفصل بين الال بأجنبيّ - وهو خبر « إنَّ » - وذلك غير جائز؛ لأن الخبر معمول ل « إنَّ » فإن أضمرت عاملاً بعد الخبر أمكن أن يعمل في الحال، وكان تقديره : أول بيت وُضِعَ للناس للذي ببكة وُضِعَ مباركاً، والذي حمل على ذلك ما يُعْطيه تفسير أمير المؤمنين من أنه وُضِعَ أولاً بقيد هذه الحال.
وإما أن يكون العاملُ في الحال هو العامل في « بِبَكَّةَ » أي استقر ببكة في حال بركته، وهو وجه ظاهر الجواز. والظاهر أن قوله :« وَهُدًى » معطوف على « مُبَارَكاً » والمعطوف على الحال حال.
وجوز بعضهم أن يكونَ مرفوعاً، على أنه خبر مبتدأ محذوف - أي : وهو هدى - ولا حاجة إلى تكلف هذا الإضمار.
والبركة : الزيادة، يقال : بارك الله لك، أي : زادك خيراً، وهو مُتَعَدٍّ، ويدل عليه قوله تعالى :﴿ أَن بُورِكَ مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [ النمل : ٨ ] و « تبارك » لا يتَصَرف، ولا يُستعمل إلا مُسْنداً لله تعالى، ومعناه - في حقه تعالى- : تزايد خيرُه وإحسانه.
وقيل : البركة ثبوت الخير، مأخوذ من مَبْرَك البعير.
وإما من الضمير المستكن في الجار وهو « ببكة » لوقوعه صلة، والعامل فيها الجار وبما تضمنه من الاستقرار أو العامل في الجار ويجوز أن ينصب على إضمار فعل المدح أو على الاختصاص، ولا يضر كونه نكرة وقد تقدم دلائل ذلك. و « للعالمين » كقوله :« للمتقين » أول البقرة.

فصل


البركة لها معنيان.
أحدهما : النمو والتزايُد.
والثاني : البقاء والدوام، يقال : تبارك الله؛ لثبوته ولم يزل ولا يزال.
والبركة : شبه الحوض؛ لثبوت الماء فيها، وبَرَكَ البعير إذا وضع صَدْرَه على الأرض وثَبت واستقرَّ، فإن فسرنا البركة بالنمو والتزايد، فهذا البيت مبارَك فيه من وجوه :
أحدها : أن الطاعات يزداد ثوابُها فيه؛ لقوله ﷺ :« فَضْلُ المَسْجِدِ الحَرَامِ عَلَى مَسْجِدِي فَضْلُ مَسْجِدِي عَلَى سَائِرِ المَسَاجِدِ »، ثُمَّ قال :« صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أفْضَلُ مِنْ ألْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ » هذا في الصلاة، وأمَّا في الحج فقد قال ﷺ :« مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، ولَمْ يَرْفُثْ، ولم يَفْسُق، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِِ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أمُّهُ »، وفي حديث آخر :« الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الجَنَّةَ »، ومعلوم أنه لا أكثر بركةً مما يجلب المغفرة والرحمة.
ثانيها : قال القَفَّالُ : ويجوز أن يكون بركته، ما ذكر في قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon