قوله :﴿ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ يجوز أن يكون منصوباً ب « يَرُدُّوكُمْ »، وأن يتعلق ب « كَافِرِينَ »، ويصير المعنى كالمعنى في قوله :﴿ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [ آل عمران : ٨٦ ].
قوله :﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ ﴾ « كَيْفَ » كلمة تعجُّب، وهو على الله - تعالى - محال، والمراد منه التغليظ والمنع؛ لأن تلاوة آيات الله عليهم، حالاً بعد حال - مع كون الرسول ﷺ فيهم - تُزيل الشُّبَه، وتُقَرِّر الحُجج، كالمانع من وقوعهم في الكُفْر، فكان صدور الكفر عن هؤلاءِ الحاضرين للتلاوة والرسول معهم أبعد من هذا الوجه.
قال زيد من أرقم : قام فينا رسول الله ﷺ ذات يوم خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال :« أمَّا بَعْدُ، أيُّهَا النَّاسِ، إنَّمَا أنَا بَشَرٌ، يُوشِكُ أن يَأتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فأجِيبَه، وإنِّي تَارِكٌ فيكُمُ الثَّقَلَيْنِ : أوَّلُهُمَا كتَابُ اللهِ، فِيهِ الهُدَى والنُّور، فَتَمسَّكُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَخّذُوا بِهِ ورغب فيه ثم قال : وَاهْل بَيْتِي، أذكِّرُكُمُ اللهَ فِي أهْلِ بَيتِي ».
قوله :﴿ وَأَنْتُمْ تتلى عَلَيْكُمْ آيَاتُ الله ﴾ جملة حالية، من فاعل :« تَكْفُرُونَ ».
وكذلك قوله :﴿ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ أي : كيف يُوجَد منكم الكفرُ مع وجود هاتين الحالتين؟
والاعتصام : الامتناع، يقال : اعْتَصَمَ واسْتَعْصَمَ بمعنًى واحدٍ، واعْتَصَمَ زَيْدٌ عَمْراً، أي : هيَّأ له ما يَعْتصِمُ به.
وقيل : الاعتصام : الاستمساك، واستعصم بكذا، أي : استمسك به.
ومعنى الآية : ومن يتمسك بدينِ الله وطاعته فقد هُدِي وأرْشِد إلى صراطٍ مستقيمٍ. وقيل : ومن يؤمن بالله. وقيل : ومن يتمسك بحبل الله وهو القرآن.
والعِصام : ما يُشدُّ به القربة، وبه يسمَّى الأشخاص، والعِصْمة مستعملة بالمعنيَيْن؛ لأنها مانعةٌ من الخطيئة وصاحبها متمسك بالحق - والعصمة - أيضاً - شِبْه السوار، والمِعْصَم : موضع العِصْمَة، ويُسَمَّى البياض الذي في الرسغ - عُصْمَة؛ تشبيهاً بها، وكأنهم جعلوا ضمةَ العينِ فارقةً، وأصل العُصْمة : البياض يكون في أيدي الخيل والظباء والوعول، والأعْصَم من الوعول : ما في معاصمها بياضٌ، وهي أشدُّها عَدْواً.
قال :[ الكامل ]
١٥٥١- لَوْ أنَّ عُصْمَ عَمَامَتَيْن وَيَذْبُلٍ | سمعَا حَدِيثَكَ أنْزَلاَ الأوْعَالا |
وقال أحمد بن يحيى : العرب تُسَمِّي الخبز عاصِماً، وجابراً.
قال :[ الرجز ]
١٥٥٢- فَلاَ تَلُومِينِي وَلُومِي جَابِرا | فَجَابِرٌ كَلَّفَنِي الْهَوَاجِرَا |
١٥٥٣- أبُو مَالِكٍ يَعْتَادُنِي بِالظَّهَائِر | يِجِيءُ فَيُلْقِي رَحْلَهُ عِنْدَ عَامِرِ |
وفي الحديث - في النساء :« لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْهُنَّ إلاَّ كَالْغُرَابِ الأعْصَمِ » وهو الأبيض الرجلين.
وقيل : الأبيض الجناحَين.
قال ﷺ :« المَرْأةُ الصَّالِحَةُ فِي النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الأعْصَمِ في الغِرْبَانِ ».
قيل : يا رسولَ الله، وما الغراب الأعصم؟ قال « الَّذِي فِي أحدِ جَنَاحَيْه بَيَاضٌ ».