وقوله :﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ أي : كما يجب أن يُتَّقَى، والتقى اسم للفعل - من قولك : اتقيت - كما أن الهُدَى اسم الفعل من قولك : اهتديت.
قوله :﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ نَهْي في الصورة عن موتهم إلا على هذه الحالة، والمراد : دوامهم على الإسلام؛ وذلك أن الموت لا بدّ منه، فكأنه قال : دوموا على الإسلام غلى الموت، وقريب منه ما حَكَى سيبويه : لا أرَيَنَّكَ هَهُنا، أي : لا تكن بالحضرة، فتقع عليك رؤيتي، والجملة من قوله :﴿ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ في محل نصب على الحال، والاستثناء مُفَرَّغ من الأحوال العامة، أي : لا تموتن على حالة من سائر الأحوال إلا على هذه الحال الحسنةِ، وجاء بها جملةً اسميةً؛ لأنها أبلغ وآكد؛ إذْ فيها ضمير متكرر، ولو قيل : إلا مسلمين لم يُفِدْ هذا التأكيد وتقدم إيضاح هذا التركيب في البقرة عند قوله تعالى :﴿ إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [ البقرة : ١٣٢ ] بل دل على الاقتران بالموت لا متقدِّماً ولا متأخراً.
قوله :﴿ واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً ﴾ الحبل - في الأصل - هو : السبب، وكل ما وصلك إلى شيء فهو حبل، وأصله في الأجرام واستعماله في المعانِي من باب المجاز. ويجوز أن يكون - حينئذٍ - من باب الاستعارة، ويجوز أن يكون من باب التمثيل، ومن كلام الأنصار رضي الله عنهم : يا رسولَ الله، إنَّ بيننا وبَيْنَ القوم حبالاً ونحن قاطعوها - يعْنُون العهود والحِلْف.
قال الأعشى :[ الكامل ]

١٥٥٤- وَإذَا تُجَوِّزُهَا حِبَالُ قَبِيلَةٍ أخَذَتْ مِنَ الأخْرَى إلَيْكَ حِبَالَهَا
يعني العهود.
قيل : والسبب فيه أن الرجل كان إذا سافر خاف، فيأخذ من القبيلة عَهداً إلى الأخرى، ويُعْطَى سَهْماً وحَبْلاً، ويكون معه كالعلامة، فسُمِّيَ العهدُ حَبْلاً لذلك، وهذا المعنى غير طائل، بل سُمِّي العهد حبلاً للتوصُّل به إلى الغرض.
وقال آخر :[ الكامل ]
١٥٥٥- مَا زِلْتُ مُعْتَصِماً بِحَبْلٍ مِنْكُمُ مَنْ حَلَّ سَاحَتَكُمْ بِأسْبَابِ نَجَا
قال القرطبي : العِصْمة : المَنَعَة، ومنه يقال للبَذْرَقة : عصمة، والبذرقة : الخفارة للقافلة، وهو من يُرسَلُ معها يحميها ممن يؤذيها، قال ابنُ خالويه :« البذرقة ليست بعربيةٍ، وإنَّما هي كلمة فارسية عرَّبتها العرب، يقال : بعث السلطان بَذْرَقَةً مع القافلة ». والحبل لفظ مشترك، وأصله - في اللغة : السبب الذي يُوصل به إلى البغية والحاجة، والحبل : المستطيل من الرمل، ومنه الحديث :« واللهَ مَا تَرَكَتُ مِنْ حَبْلٍ إلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْه، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ » ؟ والحبل : الرَّسَن، والحبل : الداهية.


الصفحة التالية
Icon