قال كثير :[ الطويل ]

١٥٥٦- فَلاَ تَعْجَلِي يَا عَزَّ أنْ تتفهمي بنُصْحٍ أتَى الوَاشُونَ أمْ بِحُبُولٍ
والحبالة : حبالة الصائد، وكلها ليس مراداً في الآية إلا الذي بمعنى العَهْد.
والمراد بالحبل - هنا - : القرآن؛ لقوله ﷺ - في الحديث الطويل- :« هو حَبْلُ الله المتين ».
وقال ابن عباس : هو العهد المذكور في قوله :﴿ وَأَوْفُواْ بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] لقوله تعالى :﴿ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ الله وَحَبْلٍ مِّنَ الناس ﴾ [ آل عمران : ١١٢ ] أي : بعهد، وسُمِّيَ العَهْدُ حبلاً لما تقدم من إزالة الخوف.
وقيل : دين الله.
وقيل : طاعة الله، وقيل : هو الإخلاص.
وقيل : الجماعة؛ لأنه عقبه بقوله :﴿ وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾.
وتحقيقه : أن النازل في البئر لما كان يعتصم بالحبل، تحرُّزاً من السقوط فيها، وكان كتاب الله وعهده ودينه وطاعته، وموافقة جماعة المؤمنين حِرزاً لصاحبه من السقوط في جهنم - جعل ذلك حبلاً لله، وأمروا بالاعتصام به.
وقوله :﴿ جَمِيعًا ﴾ أي : مجتمعين عليه، فهو حال من الفاعل.
قوله :﴿ وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾ قراءة البَزِّيِّ بتشديد التاء وصلاً وقد تقدم توجيهه في البقرة عند قوله « ولا تيمموا » والباقون بتخفيفها على الحذف.

فصل


في التأويل وجوه :
الأول : أنه نَهْي عن الاختلاف في الدين؛ لأن الحق لا يكون إلا واحداً، وما عداه جهلٌ وضلال، قال تعالى :﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال ﴾ [ يونس : ٣٢ ].
الثاني : أنه نَهْي عن المعاداةِ والمخاصمةِ؛ فإنهم كانوا في الجاهلية مواظبين على ذلك، فنهوا عنه.
الثالث : أنه نَهْي عما يوجب الفُرقة، ويزيل الألفة، قال ﷺ « سَتَفْتَرِقُ أمَّتِي عَلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً الناجِي مِنْهُمْ وَاحِدَةٌ » قيل : ومن هي يا رسول الله؟ قال :« الجَمَاعَةَ ».
وروي :« السواد الأعظم ».
ويروى :« مَا أنَا عَلَيْهِ وَأصْحَابِي ».
واعلم أن النهْيَ عن الاختلاف، والأمر بالاتفاق، يدل على أن الحق لا يكون إلا واحداً.

فصل


استدلت نفاة القياس بهذه الآية، فقالوا : الأحكام الشرعية إما أن يقال : إن الله سبحانه - نصب عليها دلائل يقينية، أو ظنية، فإن كانت يقينية فلا يكتفى فيها بالقياس الذي يفيد الظن؛ لأن الدليل لا يكتفى به في موضع اليقين، وإن كانت ظنيّة أدى الرجوع إليها إلى الاختلاف والنزاع وقد نهى الله عنه بقوله :﴿ وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾ [ آل عمران : ١٠٣ ] وقوله :﴿ وَلاَ تَنَازَعُواْ ﴾ [ الأنفال : ٤٦ ].
والجواب بأن هذا العموم مخصوص بالأدلة الدالة على العمل بالقياس.
قال القرطبي : وليس في الآية دليل على تحريم الاختلاف في الفروع؛ فإن ذلك ليس اختلافاً؛ إذ الاختلاف يتعذر معه الائتلاف والجمع، وأما حكم مسائل الاجتهاد، فإن الاختلاف فيها بسبب اتسخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع، وما زالت الصحابة مختلفين في أحكام الحوادث، وهم - مع ذلك - متآلفون وقال ﷺ :« اخْتِلاَفُ أمَّتِي رَحْمَةٌ »


الصفحة التالية
Icon