« إن الله قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون فيها »، فأمرهم بالهجرة إلى « المدينة »، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، فأول من هاجر إلى « المدينة » : أبو سلمة بن عبد الأسد المخزوميّ، ثم عامر بن ربيعة، ثُم عبد الله بن جحش، ثم تابع أصحاب رسول الله ﷺ أرْسَالاً إلى « المدينة »، فجمع الله أهْلَ « المدينة » - أوْسَهَا وخَزْرَجَها - بالإسلام، وأصلح الله ذات بينهم بنبيه محمد ﷺ، وهذا معنى قوله تعالى :﴿ واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً ﴾ [ آل عمران : ١٠٣ ] يا معشر الأنصار قبل الإسلام ﴿ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾ بالإسلام ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ ﴾ أي : فصرتم. و « أصبح » من أخوات « كان » فإذا كانت ناقصة، كانت مثل « كان » في رفع الاسم ونَصْب الخبر، وإذا كانت تامة رفعت فاعلاً، واستغنت به، فإن وجد منصوب بعدها فهي حال، وتكون تامة إذا كانت بمعنى دخل في الصباح، تقول : أصبح زيد، أي دخل في الصباح، ومثلها - في ذلك - « أمسى » قال تعالى ﴿ فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ [ الروم : ١٧ ] وقال :﴿ وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ ﴾ [ الصافات : ١٣٧ ].
وفي أمثالهم :« إذا سمعت بسرى القين فاعلم أنه مصبح » ؛ لأن القين - وهو الحداد - ربما قلَّت صناعته في أحياء العرب، فيقول : أنا غداً مسافر، فيأتيه الناس بحوائجهم، ويقيم، ويترك السفر، فأخرجوه مثلاً لمن يقول قولاً ويخالفه. والمعنى : فاعلم أنه مقيم في الصباح. ويكون بمعنى « صار » عملاً ومعنًى. كقوله :[ الخفيف ]

١٥٥٧- فَأصْبَحُوا كَأنَّهُمْ وَرَقٌ جَفْ فَ فَألْوَتْ بِهِ الصَّبَا وَالدَّبُورُ
أي : صاروا.
و « إخواناً » خبرها، وجوَّزوا فيها - هنا - أن تكون على بابها - من دلالتها على اتصاف الموصوف بالصفة في وقت الصباح، وتكون بمعنى :« صار » - وأن تكون تامة، أي : دخلتم في الصباح، فإذا كانت ناقصة على بابها - فالأظهر أن يكون « إخْناناً » خبرها، و « بنعمته » متعلق به لما فيه من معنى الفعل، أي : تآخيتم بنعمته، والباء للسببية.
وجوَّز أبو حيان أن تتعلق ب « أصْبَحْتم »، وقد عُرف ما فيه من خلاف. وجوّز غيره أن تتعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل « أصْبَحْتُمْ »، أي : فأصبحتم إخواناً ملتبسين بنعمته، أو حال من « إخواناً » ؛ لأنه في الأصل - صفة له.
وجوَّزوا أن تكون « بِنِعْمَتِهِ » هو الخبر، و « إخواناً » حال والباء بمعنى الظرفية، وإذا كانت بمعنى :« صار » جرى فيها ما تقدم من جميع هذه الأوجه، وإذا كانت تامة، فإخواناً حال، و « بِنِعْمَتِهِ » فيه ما تقدم من الأوجه خلا الخبرية.


الصفحة التالية
Icon