قال ابن عطية :« فأصْبَحْتُمْ » عبارة عن الاستمرار - وإن كانت اللفظة مخصوصة بوقت - وإنما خُصَّت هذه اللفظة بهذا المعنى من حيث مبدأ النهار، وفيه مبدأ الأعمال، فالحال التي يحبها المرء من نفسه فيها هي التي يستمر عليها يومَه في الأغلب.
ومنه قول الربيع بن ضَبع :[ المنسرح ]

١٥٥٨- أصْبَحْتُ لاَ أحْمِلُ السِّلاَحَ وَلاَ أمْلُِ رَأسَ البَعِيرِ إنْ نَفَرَا
قال أبو حيان : وهذا الذي ذكره - من أن « أصبح » للاستمرار وعلله بما ذكره - لم أر أحداً من النحويين ذهب إليه، إنما ذكروا أنها تُسْتَعْمَل بالوجهين اللذين ذكرناهما.
قال شهاب الدين : وهذا - الذي ذكره ابن عطية - معنى حَسَنٌ، وإذا لم يَنُصّ عليه النحويون لا يُدْفَع؛ لأن النحاة - غالباً - إنما يتحدثون بما يتعلق بالألفاظ، وأما المعاني المفهومة من فَحْوى الكلام، فلا حاجة إلى الكلام عليها غالباً.
والإخوان : جمع أخ، وإخوة اسم جمع عند سيبويه، وعند غيره هي جمع.
وقال بعضهم : إن الأخ في النسب - يُجْمَع على :« إخوة »، وفي الدين يُجْمَع على :« إخوان »، هذا أغلب استعمالهم، وقال تعالى :﴿ إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ ﴾ [ الحجرات : ١٠ ] ونفس هذه الآية تَرُدُّ ما قاله؛ لأن المراد - هنا - ليس أخُوَّة النسب إنما المراد أخوة الدين والصداقة.
قال أبو حاتم : قال أهل البصرة : الإخوة في النسب، والإخوان في الصداقة، قال : وهذا غلط؛ يقال للأصدقاء والأنسباء : إخوة، وإخوان، قال تعالى :﴿ إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ ﴾ [ الحجرات : ١٠ ] ولم يَعْنِ النسب، وقال تعالى :﴿ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ ﴾ [ النور : ٦١ ] وهذا في النسب.
وهذا الرد من أبي حاتم إنما يتّجِه على هذا النقل المُطْلق، ولا يرد على النقل الأول؛ لأنهم قيدوه بالأغلب في الاستعمال.
قال الزجاج : أصل الأخ - في اللغة - من التوخي - وهو الطلب؛ فإن الأخ مقصده مقصد أخيه، والصديق مأخوذ من أن يصدق كل واحد من الصديقين ما في قلبه، ولا يُخْفِي عنه شيئاً.
قوله :﴿ وَكُنْتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ ﴾ شَفَا الشيء : طرفه وحرفه، وهو مقصور من ذوات الواو، ويُثَنَّى بالواو نحو : شَفَوَيْن ويكتب بالألف، ويُجْمَع على أشفاء، ويُسْتَعْمَل مضافاً إلى أعلى الشيء وإلى أسفله، فمن الأول :﴿ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ﴾ [ التوبة : ١٠٩ ] ومن الثاني : هذه الآية.
وأشْفَى على كذا : قاربه، ومنه : أشفى المريض على الموت. قال يعقوب : يقال للرجل عند موته، وللقمر عند محاقه، وللشمس عند غروبها : ما بقي منه، أو منها، إلا شَفاً، أي : إلا قليل. وقال بعضهم : يقال لما بين الليل والنهار، وعند غروب الشمس إذا غاب بعضها : شَفاً.
وأنشد :[ الرجز ]
١٥٥٩- أدْرَكْتُهُ بِلاَ شَفاً، أوْ بِشَفَا وَالشَّمْسُ قَدْ كَادَتْ تكونُ دَنفَا
قوله بلا بشفا : أي : غابت الشمسُ، وقوله : أو بشفا، أي : بقيت منه بقية.


الصفحة التالية
Icon