قال الراغب : والشفاء من المرض : موافاة شفا السلامة، وصار اسماً للبُرْء والشفاء.
قال البخاري : قال النحاس :« الأصل في شفا - شَفَوٌ، ولهذا يُكْتَب بالألف، ولا يمال ».
وقال الأخفش :« لما لم تَجُز فيه الإمالة عُرِفَ أنه من الواو » ؛ لأن الإمالةَ من الياء.
قال المهدويّ :« وهذا تمثيل يُراد به خروجُهم من الكفر إلى الإيمان ».
قوله :﴿ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ﴾ في عَود هذا الضمير وجوه :
أحدها : أنه عائد على « حُفْرَةٍ ».
والثاني : أنه عائد على « النَّارِ ».
قال الطبريّ : إن بعض الناس يُعيده على الشفا، وأنث من حيث كان الشفا مضافاً إلى مؤنث، كما قال جرير :[ الوافر ]

١٥٦٠- أرَى مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي كَمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلاَلِ
قال ابن عطية :« وليس الأمر كما ذكروا؛ لأنه لا يُحتاج - في الآية - إلى مثل هذه الصناعة، إلا لو لم يجد للضمير مُعَاداً إلا الشفا، أما ومعنا لفظ مؤنث يعود الضميرُ عليه، ويُعَذِّده المعنى المتكلَّم فيه، فلا يحتاج إلى تلك الصناعة ».
قال أبو حيان :« وأقول : لا يحسن عَوْدُه إلا على الشفا؛ لأن كينونتهم على الشفا هو أحد جزأي الإسناد، فالضمير لا يعود إلا عليه، وأما ذِكْرُ الحفرة، فإنما جاءت على سبيل الإضافة إليها، ألا ترى أنك إذا قلت : كان زَيْدٌ غلامَ جَعْفَر، لم يكن جعفر محدِّثاً عنه، وليس أحد جُزْأي الإسناد، وكذا لو قلتَ : زيد ضرب غلامَ هند، لم تُحَدِّث عن هند بشيء، وإنما ذكرت جعفراً وهنداً؛ تخصيصاً للمحدَّث عنه، وأما ذكر :» النَّارِ « فإنما ذُكِرَ لتخصيص الحُفْرة، وليست - أيضاً - أحد جزأي الإسناد، وليست أيضاً محدَّثاً عنها، فالإنقاذ من الشفا أبلغ من الإنقاذ من الحفرة من النار؛ لأن الإنقاذ منه يستلزم من الحُفْرة ومن النار، والإنقاذ منهما لا يستلزم الإنقاذ من الشفا، فعَوْدُه على الشفا هو الظاهر من حيث اللفظ ومن حيث المعنى ».
قال الزجَّاج :« وقوله :» مِنْهَأ « الكناية راجعة إلى النار، لا إلى الشَّفَا؛ لأنَّ القصد الإنجاء من النار لا من شفا الحفرة ».
وقال غيره :« الضمير عائد إلى الحُفْرَةِ؛ ولما أنقذهم من الحُفْرَةِ فقد أنقذهم من شَفَا الحفرة؛ لأن شفاها منها ».
قال الواحديّ : على أنه يجوز أن يذكر المضاف إليه، ثم تعود الكناية إلى المضاف إليه - دون المضاف، كقول جرير :[ الوافر ]
١٥٦١- أرَى مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي كَمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلاَلِ
كذلك قول العجاج :[ الرجز ]
١٥٦٢- طُولُ اللَّيَالِي أسْرَعَتْ فِي نَقْضِي طَوَيْنَ طُولِي وَطَوَيْنَ عَرضِي
قال : وهذا إذا كان المضاف من جنس المضاف إليه، فإن مَرَّ السنين هو المسنون، وكذلك شفا الحُفْرة من الحفرة، فذكَّر الشَّفَا، وعادت الكناية إلى الحفرة.


الصفحة التالية
Icon