ويجوز أن تكون الناقصة، ف « أمةٌ » اسمها، و « يَدْعُونَ » خبرها، و « مِنْكُمْ » متعلق إمَّا بالكون، وإمَّا بمحذوف على الحال من « أمةٌ ».
ويجوز أن يكون « مِنْكُمْ » هو الخبر، و « يَدْعُونَ » صفة ل « أمة »، وفيه بُعد.
وقرأ العامة :« وَلْتَكُنْ » بسكون اللام.
وقرأ الحسن والزهريّ والسلميّ بكسرها، وهو الأصل.
وقوله :﴿ وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر ﴾ من باب ذكر الخاص بعد العام؛ اعتناء به - كقوله :﴿ وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] -؛ لأن اسم « الْخَيْر » يقع عليهما، بل هما أعظم الخيور.
فصل
قال بعض العلماء :« مِنْ » - هنا - ليست للتبعيض، لوجهين :
الأول : أنه أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل الأمة.
الثاني : أنه يجب على كل مكلَّف الأمر بالمعروف والنَّهْي عن المنكر - إما بيده، أو لسانه، أو بقلبه - فيكون معنى الآية : كونوا أمةً دُعاةً إلى الخير، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر.
وكلمة :« مِنْ » : إنما هي للتبيين، كقوله :﴿ فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان ﴾ [ الحج : ٣٠ ] ويقال : لفلان من أولاده جند، وللأمير من غِلْمانه عَسْكَر، والمراد : جميع الأولاد والغلمان لا بعضهم - فكذا هنا. ثم إذا قلنا بأنه يجب على الكُلِّ، فيسقط بفعل البعض، كقوله تعالى :﴿ انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً ﴾ [ التوبة : ٤١ ]، وقوله :﴿ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [ التوبة : ٣٩ ] فالأمر عامٌّ، ثم إذا قام به مَنْ يكفي، سقط التكليف عن الباقين والقائلون بالتبعيض اختلفوا على قولين :
أحدهما : أن في القوم مَنْ لا يقدر على الدعوة، والأمر بالمعروف، والنَّهْي عن المنكر - كالمرضى والعاجزين.
الثاني : أن هذا التكليف مختصّ بالعلماء؛ لأن الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر مشروطة بالعلم بهم، ونظيره قوله تعالى :﴿ الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُواْ الصلاة ﴾ [ الحج : ٤١ ] وليس كل الناس يُمَكنون.
وقوله :﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدين وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رجعوا إِلَيْهِمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٢ ]، وأيضاً الإجماع على أن ذلك واجب على الكفاية، وإذا كان كذلك كان المعنى : ليقُمْ بذلك بعضُكم.
وقال الضَّحَّاك : المراد بهذه الآية : أصحاب رسول الله ﷺ ؛ لأنهم كاوا يتعلمون من الرسول ﷺ ويعلّمون الناس.
قال القُرْطُبِيُّ :« وقرأ ابنُ الزبير : ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم ».
قال ابن الأنباري :« هذه الزيادة تفسير من ابن الزبير، وكلام من كلامه، غلط فيه بعض الناقلين، فألحقه بألفاظ القرآن، يدل على ذلك أن عثمان بن عفان قرأ : ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم.