ويجوز أن يرتفع من غير تقدير حذف؛ لأن الشرط - هنا - ماضٍ، وإذا لم يظهر في الشرط لفظ الجزم جاز في الجزاء الوجهان : الجزم والرفع.
[ وقد تقدم تحقيق القول في ذلك، فالظاهر موافقته للقول الثالث من تخريج الرفع في المضارع كما تقدم تحقيقه وقرأ... ] عبد الله وابن أبي عبلة :« ودت » - بلفظ الماضي - وعلى هذه القراءة يجوز في « ما » وجهان :
أحدهما : أن تكون شرطية، وفي محلها - حينئذ - احتمالان.
الأول : النصب بالفعل بعدها، والتقدير : أيَّ شيء عملت من سوء ودت، ف « وَدَّتْ » جواب الشرط.
الثاني : الرفع على الابتداء، والعائد على المبتدأ محذوف، تقديره : وما عملته، وهذا جائز في اسم الشرط خاصة عند افرّاء في فصيح الكلام، أعني حذف عائد المبتدأ إذا كان منصوباً بفعل نحو :« أيُّهُمْ ضرب أكرمه » - برفع « أيُّهم » وإذا كان المبتدأ غير ذلك ضَعُفَ نحو : زيدٌ ضربت، [ وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان في قراءة من قرأ :« أفحكمُ الجاهلية يبغون »، وفي قوله :« وكل وعد الله الحسنى » في الحديد ].
الوجه الثاني من وجهي « ما » : أن تكون موصولة، بمعنى : الذي عملته من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمدا بعيداً، ومحلها - على هذا - رفع بالابتداءِ، و « وَدَّتْ » الخبر، وهو اختيار الزمخشريِّ؛ لأنه قال :« لكن الحمل على الابتداء والخبر أوْقَعُ في المعنى : لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم، وأثبت؛ لموافقة قراءة العامة » انتهى.
فإن قيل : لِمَ لَمْ يمتنع أن تكون « ما » شرطية على هذه القراءة، كما امتنع ذلك فيها على قراءة العامة؟
فالجواب : أن العلة إن كانت رفعَ الفعل، وعدم جَزْمه - كما قال به الزمخشريّ وابن عطية - فهي مفقودة في هذه القراءة؛ لأن الماضيَ مبني اللفظ، لا يظهر فيه لأداة الشرط عملٌ وإن كانت العلة أن النية به التقديم، فيلزم عَوْدُ الضميرِ على متأخِّرٍ لفظاً ورُتْبةًن فهي أيضاً مفقودة فيها؛ إذ لا دَاعِيَ يدعو إلى ذلك.
قوله - هنا - على بابها، من كونها حرفاً لما كان سيقع لوقوعِ غيره، وعلى هذا ففي الكلام حذفان :
أحدهما : حذف مفعول « تَوَدُّ ».
والثاني : حذف جواب « لَوْ »، والتقدير فيها : تود تباعُدَ ما بينها وبينه لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً لسُرَّت بذلك، أو لفرحت ونحوه. والخلاف في « لو » بعد فعل الودادة وما بمعناه أنها تكون مصدرية كما تقدم تحريره في البقرة، يبعد مجيئه هنا؛ لأن بعدها حرفاً مصدرياً وهو « أن ».