السادس : أن هذه الجملة متصلة بقوله :« ففي رحمة الله »، أي : فيقال لهم يوم القيامة :« كنتم خير أمة »، وهو بعيد جِدًّا.
قوله :﴿ أُخْرِجَتْ ﴾ يجوز في هذه الجملة أن تكون في مَحَلِّ جَرٍّ؛ نعتاً ل « أمةٍ » - وهو الظاهر - وأن تكون في محل نصب؛ نعتاً ل « خَيْر »، وحينئذ يكون قد روعي لفظ الاسم الظاهر بعد وروده بعد ضمير الخطاب، ولو روعي ضمير الخطاب لكان جائزاً - أيضاً - وذلك أنه إذا تقدم ضميرُ حاضرٍ - متكلِّماً كان أو غائباً أو ماطباً - ثم جاء بعده خبره اسماً ظاهراً، ثم جاء بعد ذلك الاسم الظاهر ما يصلح أن يكون وصفاً له كان للعرب فيه طريقان :
أحدهما : مراعاة ذلك الضمير السابق، فيطابقه بما في تلك الجملة الواقعة صفة للاسم الظاهر.
الثانية : مراعاة ذلك الاسم الظاهر، فيبعد الضمير عليه منها غائباً، وذلك كقولك : أنت رجل يأمر بالمعروف، بالخطاب، مراعاة ل « أنت »، وبالغيبة، مراعاة للفظ « رجل »، وأنا امرؤ أقول الحق - بالمتكلم؛ مراعاة ل « أنا » ويقول الحقّ، مراعاة لمرئٍ، وبالغيبة مراعة للفظ امرئ، ومن مراعاة الضمير قوله تعالى :﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [ النمل : ٥٥ ]، وقوله :﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ [ النمل : ٤٧ ]، وقوله ﷺ :« إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ».
وقول الشاعر :[ الطويل ]
١٥٧٢- وَأنْتَ امْرُؤٌ قَدْ كَثَّأتْ لَكَ لِحْيَةٌ | كَأنَّكَ مِنْهَا قَاعِدٌ في جُوَالِقِ |
قوله :﴿ لِلنَّاسِ ﴾ فيه أوجه :
أحدها : أن تتعلق ب ﴿ أُخْرِجَتْ ﴾ ومعناه : ما أخرج الله أمة خيراً من أمة محمد ﷺ، وفي الحديث :« ألا وَإنَّ هَذِه الأمة تُوفِّي سبعين أمة، أنتم خَيْرُهَا وَأكْرَمُهَا عَلَى اللهِ تَعَالَى ».
الثاني : أنه متعلق ب « خَيْرَ » أي : أنتم خير الناس للناس.
قال أبو هريرة : معناه : ؛ كنتم خير الناس للناس؛ تجيئون بهم في السلاسل، فتُدْخلونهم في الإسلام.
وقال قتادة : هم أمة محمد ﷺ لم يؤمر نبيٌّ قبله بالقتال، فهم يقاتلون الكفار، فيُدْخلونهم في الإسلام، فهم خير أمةٍ للناس.
والفرق بينهما - من حيث المعنى - أنه لا يلزم أن يكونوا أفضلَ الأمم - في الوجه الثاني - من هذا اللفظ بل من موضع آخرَ.