ومثله قول الآخر :[ الطويل ]
١٥٧٧- أرَاكَ، فَمَا أدْرِي أهَمٌّ هَمَمْتُهُ | وَذُو الْهَمِّ قِدْماً خَاشِعٌ مُتَضَائِلُ |
قال الفراء :« لأن المساواة تقتضي شيئين »، كقوله :﴿ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد ﴾ [ الحج : ٢٥ ]، وقوله :﴿ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾ [ الجاثية : ٢١ ].
وقد ضُعِّفَ قَوْلُ الفراء من حيث الحذف، ومن حيث وَضع الظاهر مَوْضِعَ المُضْمَر؛ إذ الأصل : منهم أمة قائمة، فوضع أهل الكتاب موضع المضمر.
والوجه أن يكون ﴿ لَيْسُواْ سَوَآءً ﴾ جملة تامة، وقوله :﴿ مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ ﴾ جملة برأسها، وقوله :﴿ يَتْلُونَ ﴾ جملة أخرى، مبينة لعدم استوائهم - كما جاءت الجملة من قوله :﴿ تَأْمُرُونَ بالمعروف ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ] مبيِّنة للخيريَّةِ.
ويجوز أن يكون ﴿ يَتْلُونَ ﴾ في محل رفع، صفة ل « أمَّةٌ ».
ويجوز أن يكون حالاً من « أمَّةٌ » ؛ لتخصُّصِها بالنعت.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في « قَائِمة »، وعلى كونها حالاً من « أمَّةٌ » يكون العامل فيها الاستقرار الذي تضمنه الجار.
ويجوز أن يكون حالاً من الضميرِ المستكن في هذا الجار، لوقوعه خبراً ل « أمَّة ».
فصل
قال جمهور العلماء : المراد بأهل الكتاب : مَنْ آمَنَ بموسى وعيسى عليهما السلام. اليهود : ما آمن بمحمد ﷺ إلا شِرارُنا، ولولا ذلك ما تركوا دينَ آبائِهم، لقد كفروا، وخسروا، فأنزل الله هذه الآية؛ لبيان فضلهم.
وقيل : لما وَصَفَ أهلَ الكتاب - في الآيات المتقدمةِ - بالصفات المذمومة، ذَكَر - في هذه الآية - أن كل أهل الكتاب ليسوا كذلك، بل فيهم مَنْ يكون موصوفاً بالصفات المحمودة المرضية.
قال الثوريّ : بلغني أنها نزلت في قوم كانوا يُصلون بين المغرب والعشاء.
وعن عطاء، أنها نزلت في أربعين رجلاً من أهل نجرانَ، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثلاثة من الروم، كانوا على دين عيسى، وصدقوا بمحمد ﷺ وكان من الأنصار فيهم عدة - قبل قدوم النبي ﷺ، منهم أسعد بن زرارة، والبراء بن معرور، ومحمد بن مسلمة، وأبو قيس صِرْمة بن أنس، كانوا موحِّدين، يغتسلون من الجنابة، ويقومون بما عرفوا من شرائع الحنيفية، حتى بعث الله لهم النبي ﷺ فصدَّقوه، ونصروه.
وقال آخرون : المراد بأهل الكتاب : كل من أوتي الكتابَ من أهل الأدْيان - والمسلمون من جُمْلتهم - قال تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [ فاطر : ٣٢ ]، ويؤيِّد هذا ما رَوَى ابنُ مسعود : أن النبي ﷺ أخَّر صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال :« أما إنه ليس أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأدْيَانِ يَذْكُرُ اللهَ - تَعَالَى - هَذِهِ السَّاعةِ غَيْركُمْ » وقرأ هذه الآية.
قال القفال : ولا يبعد أن يقال : أولئك الحاضرون كانوا نفراً من مؤمني أهل الكتاب الذين آمنوا بمحمد ﷺ، فأقاموا صلاة العتمة في الساعة التي ينام فيها غيرُهم من أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا.