ولا يبعد - أيضاً - أن يقال : المراد : كلّ مَنْ آمن بمحمد ﷺ فسمَّاهم الله بأهل الكتاب، كأنه قيل : أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة، والمسلمون الذين سماهم الله بأهل الكتاب حالهم وصفتهم هكذا، فكيف يستويان؟ فيكون الغرض - من هذه الآية - تقرير فضيلة أهل الإسلام، تأكيداً لما تقدم من قوله :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ] ونظيره قوله :﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾ [ السجدة : ١٨ ]، منهم ﴿ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله ﴾ قيل : قائمة في الصلاة يتلون آياتِ الله، فعبَّر بذلك عن تهجُّدِهم.
وقال ابن عباس : مهتدية، قائمة على أمر الله - تعالى - لم يضيِّعوه، ولم يتركوه.
قال الحسن : ثابتة على التمسُّك بالدين الحق، ملازمة له، غير مضطربة، كقوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ﴾ [ آل عمران : ٧٥ ].
قال مجاهد :« قَائِمَةٌ » أي : مستقيمة، عادلة - من قولك : أقمت العود - فقام بمعنى : استقام.
وقيل : الأمَّة : الطريقة، ومعنى الآية :﴿ مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ ﴾ أي : ذو أمة، ومعناه : ذو طريقة مستقيمة، والمراد ب ﴿ آيَاتِ الله ﴾ : القرآن، وقد يُراد بها أصناف مخلوقاته الدالة على ذاته، وصفاته، والمراد هاهنا : الأول.
قوله :﴿ آنَآءَ الليل ﴾ ظرف ل « يتلون »، والآناء : الساعات، واحده : أنَى - بفتح الهمزة والنون، بزنة عصا -أو إنَى بكسر الهمزة، وفتح النون، بزنة مِعًى، أو أنْي - بالفتح والسكون بزنة ظَبْي، أو إنْي - بالكسر والسكون، بزنة نِحْي - أو إنْو - بالكسر والسكون مع الواو، بزنة جرو - فالهمزة في « آناء » منقلبة عن ياء، على الأقوال الأربعة - كرداء - وعن واو على القول الأخير، نحو كساء.
قال القفال : كأن التأنِّيَ مأخوذ منه، لأنه انتظار الساعات والأوقات، وفي الحديث أن النبيَّ ﷺ قال للرجل الذي أخر المجيء إلى الجمعة- :« آذيت وآنيت » أي : دافعت الأوقات. وستأتي بقية هذه المادة في مواضعها.
ولا يجوز أن يكون « آناء الليل » ظرفاً لِ « قَائِمَةٌ ».
قال أبو القباءِ :« لأن » قَائِمَةٌ « قد وُصِفَتْ، فلا يجوز أن تعمل فيما بعد الصفة »، وهذا على تقدير أن يكون « يَتْلُونَ » وَصْفاً لِ « قائمة »، وفيه نظر؛ لأن المعنَى ليس على جَعْل هذه الجملةِ صفة لما قبلها، بل على الاستئناف للبيان المتقدم، وعلى تقدير جَعْلها صفة لما قبلها، فهي صفة ل « أمَّةٌ »، لا لِ « قَائِمَةٌ » ؛ لأن الصفة لا توصَف إلا أن يكون معنى الصفة الثانية لائقاً بما قبلها، نحو : مررت برجل ناطقٍ فصيح، ففصيح صفة لناطق؛ لأن معناه لائق به، وبعضهم يجعله وَصْفاً لرجل.


الصفحة التالية
Icon