وإنما المانع من تعلُّق هذا الظرف ب « قَائِمَةٌ » ما ذكرناه من استئناف جملته.
قوله :﴿ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ يجوز أن يكون حالاً من فاعل « يَتْلُونَ » أي : يَتْلُونَ القرآن، وهم ساجدون، وهذا قد يكون في شريعتهم - مشروعية التلاوة في السجود - بخلاف شرعنا، قال عليه السلام « ألاَ إنِّي نُهِيتُ أن أقرأ القُرآنَ رَاكِعاً، أو سَاجِداً »، وبهذا يرجح قول من يقول إنهم غير أمة محمد ﷺ.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في « قَائِمَةٌ » قاله أبو البقاء.
وفيه ضعف؛ للاستئناف المذكور.
وقيل : المراد بقوله :﴿ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ : أنهم يصلون، والصلاة تسمى سجوداً، وركوعاً، وتسبيحاً، قال تعالى :﴿ واركعي مَعَ الراكعين ﴾ [ آل عمران : ٤٣ ]، وقال :﴿ فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ [ الروم : ١٧ ]، والمراد : الصلاة.
وقيل :﴿ يَسْجُدُونَ ﴾ أي : يخضعون لله؛ لأن العرب تسمِّي الخضوعَ سجوداً، قال تعالى :﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ [ النحل : ٤٩ ].
ويجوز أن تكون مستأنفة، والمعنى : أنهم يقومون تارةً، ويسجدون تارةً، يبتغون الفضل والرحمة بأنواع ما يكون في الصلاة من الخضوع لله، ونظيره قوله :﴿ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٤ ].
قوله :﴿ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر ﴾ إمَّا استئناف، وإما أحوال، وجيء بالجملة الأولى اسميةً؛ دلالةً على الاستقرار، وصُدِّرَتْ بضميرٍ، وثَنَّى عليه جملة فعلية، ليتكرر الضمير، فيزداد بتكراره توكيداً.
وجيء بالخبر مضارعاً؛ دلالةً على تجدُّدِ السجود في كل وقت، وكذلك جيء بالجُمَل التي بعدها أفعالاً مضارعة.
ويحتمل أن يكون ﴿ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر ﴾ خبراً ثانياً، لقوله :« هُمْ »، ولذلك ترك العاطف ولو ذكره لكان جائزاً.
فصل
اعلم أن اليهود كانوا يقومون في الليل للتهجُّد، وقراءة التوراة، فلما مدح المؤمنين بالتهجد وقراءة القرآن أردف ذلك بقوله :﴿ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر ﴾، وقد تقدَّم أن الإيمان بالله يستلزم الإيمان بجميع أنبيائه ورُسُلِهِ، والإيمان باليومِ الآخرِ يستلزم الحذرَ من المعاصي، وهؤلاء اليهود كانوا ينكرون أنبياء الله، ولا يحترزون عن معاصي الله، لم يحصل لهم الإيمان بالمبدأ أو المعاد.
قوله :﴿ وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر ﴾.
قال ابن عباس : يؤمنون بتوحيد الله، ونبوة ﷺ، وينهون عن الكفر.
وقيل : يأمرون بما ينبغي، وينهون عَمَّا لا ينبغي.
وقوله :﴿ وَيُسَارِعُونَ فِي الخيرات ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يتبادرون إليها خوف الفَوْتِ بالمَوْتِ.
فإن قيل : أليس أن العجلة مذمومةٌ لقوله ﷺ :« الْعَجَلَةُ من الشَّيْطَانِ، والتأنِّي من الرَّحْمَنِ » فما الفرق بين السرعة والعَجَلَة؟
فالجواب : أن السرعة مخصوصة بأن يقدم ما ينبغي تقديمه، والعجلة مخصوصة بأن يقدم ما لا ينبغي تقديمه فالمسارعة مخصوصة بفرط الرغبة فيما يتعلق بالدين، لأن من رغب في الآخرة آثر الفَوْزَ على التراخي، قال تعالى :