قوله :﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ شرط، حذف جوابه، لدلالة ما تقدم عليه، أو هو ما تقدم - عند من يرى جوازه-.
والمعنى : إن كنتم من أهل العقل، والفهم، والدراية.
وقيل : إن كنتم تعقلون الفَصْل بين ما يستحقه الولِيّ والعدُوّ، والمقصود منه : استعمال العقل في تأمل هذه الآيات، وتدبُّر هذه البينات.
قوله تعالى :﴿ هَآأَنْتُمْ أولااء تُحِبُّونَهُمْ ﴾ قد تقدم نظيره.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ :« ها » للتنبيه، و « أنْتُمْ » مبتدأ و « أولاءِ » خبره، و « تُحِبُّونَهُمْ » في موضع نصب على الحال من اسم الإشارة.
ويجوز أن يكون « أولاء » بمعنى : الذي، و « تُحِبُّونَهُمْ » صلة له، والموصول مع الصلة خبر.
قال الفرَّاء :« أولاَءِ » خبر، و « يحبونهم » خبر بعد خبر.
ويجوز أن يكون « أولاء » في موضع نصب بفعل محذوف، فتكون المسالة من باب الاشتغال، نحو : أنا زيداً ضربته.
قوله :﴿ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ﴾ يحتمل أن يكون استئناف إخبار، وأن يكون جملة حالية.

فصل


قال المُفَضَّل :« تحبّونهم » تريدون لهم الإسلام، وهو خير الأشياء، و ﴿ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ﴾، فإنهم يريدون بقاءكم على الكفر، وهو يوجب الهلاك.
وقيل :﴿ يُحِبُّونَهُمْ ﴾ بسبب ما بينكم وبينهم من القرابة، والرضاع، و المصاهرة، ﴿ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ﴾ لأجل الإسلام.
وقيل :﴿ تُحِبُّونَهُمْ ﴾ بسبب إظهارهم لكم الإسلام ﴿ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ﴾ بسبب أن الكفر مستغرق في قلوبهم.
وقال أبُو العَالِيَةِ، ومُقَاتِلٌ : المحبة - هاهنا - بمعنى : المصافاة، أي : أنتم - أيها المؤمنون - تصافونهم، ولا يصافونكم؛ لنفاقهم.
وقال الأصمّ :﴿ تُحِبُّونَهُمْ ﴾ بمعنى : أنكم لا تريدون إلقاءهم في الآفات، والمحن، ﴿ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ﴾ بمعنى : أنهم يريدون إلقاءكم في الآفات والمِحَن، ويتربصون بكم الدوائر.
وقيل :﴿ تُحِبُّونَهُمْ ﴾ بسبب أنهم يُظهرون لكم محبة الرسول ﷺ وهم يبغضون الرسول، ومحب المبغوض مبغوض.
وقيل :﴿ تُحِبُّونَهُمْ ﴾ أي : تخالطونهم، وتُفشون إليهم أسرارَكم في أمور دينكم ﴿ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ﴾ أي : لا يفعلون ذلك بكم.
قوله :﴿ وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلِّهِ ﴾ يجوز أن تكون الألف واللام - في الكتاب - للجنس، والمعنى : بالكتب كلها، فاكتفى بالواحد.
وقيل : أفرد الكتاب؛ لأنه مصدر، فيجوز أن يُسَمَّى به الجمع.
وقيل : إن المصدر لا يُجْمَع إلا على التأويل، فلهذا لم يَقُل : الكتب - بدلاً من الكتاب-، وإن كان لو قاله لجاز، توسعاً.
ويجوز أن يكون للعهد، والمراد به : كتاب مخصوص.
وهنا جملة محذوفة، يدل عليها السياق، والتقدير :﴿ وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلِّهِ ﴾، وهم لا يؤمنون بكتابكم، وحَسُنَ العطفُ، لما تقدم من أن ذكر أحد الضدين يُغْني عن ذِكْر الآخر، وتقدير الكلام : أنكم تؤمنون بكتبهم كلها، وهم - ممع ذلك - يبغضونكم، فما بالكم - مع ذلك - تحبونهم، وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم؟.


الصفحة التالية
Icon