وفيه تنبيخ شديد بأنهم - في باطلهم - أصلب منكم في حقكم.
قوله :﴿ وَإِذَا لَقُوكُمْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ ﴾ ومعناه : إذا خَلاَ بعضهم ببعض أظهروا شدة العداوة، وشدة الغيظ على المؤمنين، حتى تبلغ الشدة إلى عَضِّ الأنامل، كما يفعل الإنسان - إذا اشتد غيظه، وعَظُم حُزنه - على فَوْت مطلوبه، ولمَّا كَثُر هذا الفعلُ من الغضبان صار ذلك كناية عن الغضب، وإن لم يكن هناك عض.
قوله :﴿ عَلَيْكُمْ ﴾ متعلق ب « عَضُّوا »، وكذلك ﴿ مِنَ الغيظ ﴾ و « مِنْ » فيه لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون بمعنى اللام، فيفيد العِلِّيَّةَ - اي : من أجل الغيظ-.
وجوز أبو البقاء - في « عَلَيْكُمْ »، وفي ﴿ مِنَ الغيظ ﴾ - أن يكونا حالين، فقال :« ويجوز أن يكون حالاً، أي : حنقين عليكم من الغيظ. ﴿ و مِنَ الغيظ ﴾ متعلق ب » عَضُّوا « أيضاً، و » مِنْ « لابتداء الغاية، أي : من أجل الغيظ، ويجوز أن يكون حالاً، أي : مغتاظين ». انتهى.
وقوله : و « من » لابتداء الغاية - أي : من أجل الغيظ كلام متنافر؛ لأن التي للابتداء لا تفسَّر بمعنى :« من أجل »، فإنه معنى العلة، والعلة والابتداء متغايران، وعلى الجملة، فالحالية - فيهما - لا يظهر معناها، وتقديره الحال ليس تقديراً صناعيًّا؛ لأن التقدير الصناعي إنما يكون بالأكوان المطلقة.
والعَضّ : الأزم بالأسنان، وهو تحامُل الأسنان بعضها على بعض، يقال : عَضِضْتُ قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
١٥٩٢-................. | كَفَحْلِ الْهِجَانِ يَنْتَحِي لِلْعَضِيضِ |
وقال آخر :[ المتقارب ]
١٥٩٤- قَدَ افْنَى أنَامِلَهُ أزْمُهُ | فَأضْحَى يَعَضُّ عَلَيَّ الْوَظِيفَا |
١٥٩٥- وَأقْتُلُ أقْوَاماً لِئاماً أذِلَّةً | يَعُذُّونَ مِنْ غَيْظٍ رُءُوسَ الأبَاهِمِ |
١٥٩٦- إذَا رَأوْنِي - أطَالَ اللهُ غَيْظَهُمُ | عَضُّوا مِنَ الْغَيظِ أطْرَافَ الأبَاهِيمِ |
قال الشاعر :[ الطويل ]
١٥٩٧- وَعَظُّ زَمَانٍ - يَا بْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ | مِنَ الْمَالِ إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ |
والعُضُّ - بضم الفاء - عَلَف من نوًى مرضوض وغيره، ومنه : بَعير عُضَاضِيّ - أي : سمين - كأنه منسوب إليه، وأعَضَّ القومُ - إذا أكلت إبلُهم ذلك، والعِضّ - بكسر الفاء - الرجل الداهية، كأنهم تصوروا عَضَّه وشدته.
وزمن عضوض - أي : جدب، والتَّعْضوض : نوع من التمر، سُمِّيَ بذلك لشدة مضغه وصعوبته.
والأنامل : جمع أنملة - وهي رؤوس الأصابع.
قال الرُّماني : واشتقاقها من النمل - هذا الحيوان المعروف - شبهت به لدقتها، وسرعة تصرفها وحركتها، ومنه قالوا للنمام :« نمل ومنمل » لذلك.