وقال سعدُ بن أبي وقاص : رأيتُ عن يمين رسول الله ﷺ وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بِيضٌ، ما رأيتهما قبل، ولا بعد.
قال سعدُ بن إبراهيمَ : يعني : جبريل وميكائيل.
وهذه الشبهة إنما تليق بمن يُنكر القرآن والنبوة، فأما من يُقِرُّ بهما، فلا يليق به شيءٌ من هذا، وهذه الشبهة إذا قابلناها بكمال قدرة الله - تعالى - زالت؛ فإنه - تعالى - يفعل ما يشاء؛ لأنه قادر على جميع الممكنات.

فصل


اختلفوا في كيفية نُصْرة الملائكة.
فقال بعضهم : بالقتال مع المؤمنين.
وقال بعضهم : بل بتقوية نفوسهم، وإشعارهم بأن النُّصْرة لهم، وإلقاء الرعب في قلوب الكفار.
وقال أكثر المفسرين : إنهم لم يقاتلوا في غير بدر.
قوله :﴿ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ ﴾ معنى الكفاية : هو سَدُّ الخلة، والقيام بالأمر.
يقال : كَفَاهُ أمر كذا، أي : سَدَّ خلته.
والإمداد : إعانة الجيش بالجيش، وهو في الأصل إعطا ءالشيء حالاً بعد حال.
قال المفضَّل : ما كان على جهة القوة والإعانة، قيل فيه : أمَدَّه يُمِدُّه، وما كان على جهة الزيادة، قيل فيه : مَدَّه يَمُدُّه مَدًّا ومنه :﴿ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر ﴾ [ لقمان : ٢٧ ].
وقيل : المَدُّ في الشر، والإمداد في الخير؛ لقوله تعالى :﴿ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [ البقرة : ١٥ ] وقوله :﴿ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً ﴾ [ مريم : ٧٩ ] وقال في الخير :﴿ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْف ﴾ [ الأنفال : ٩ ] وقال :﴿ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِين ﴾ [ الإسراء : ٦ ].
قوله :﴿ أَن يُمِدَّكُمْ ﴾ فاعل، ﴿ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ ﴾ أي : ألن يكفيكم إمدادُ ربكم، والهمزة لما دخلت على النفي قررته على سبيل الإنكار، وجيء ب « لن » دون « لا » ؛ لأنها أبلغ في النفي، وفي مصحف أبيّ « الا » بدون « لن » وكأنه قصد تفسير المعنى.
و « بثلاثة » متعلق ب ﴿ يُمِدَّكُمْ ﴾.
وقرأ الحسن البصريّ « ثلاثة آلافٍ » - بهاء - ساكنة في الوصل - وكذلك « بخمسة آلافٍ » كأنه أجْرَى الوصل مُجْرَى الوقف، وهي ضعيفة؛ لأنها في متضايفين تقتضيان الاتصال.
قال ابن عطية : ووجْه هذه القراءة ضعيف؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد يقتضيان الاتصال إذْ هما كالاسم الواحد، وإنما الثاني كمال الأول، والهاء إنما هي أمارة وقف، فيتعلق الوقف في موضع إنما هو للاتصال، لكن قد جاء نحو هذا للعرب في مواضعَ، من ذلك ما حكاه الفرَّاء من قولهم : أكلت لحما شاةٍ - يريدون لحم شاة - فَمَطلُوا الفتحةَ، حتى نشأت عنها ألِفٌ، كما قالوا في الوقف قالا - يريدون قال - ثم مَطَلُوا الفتحة في القوافي، ونحوها من مواضع الرؤية والتثبيت.
ومن ذلك في الشعر قوله :[ الكامل ]
١٦١٠- يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ زَيَّافَةٍ مِثْلِ الْفَنِيقِ المُكْدَمِ
يريد :« ينبع »، فمطل ومثله قول الآخر :[ الرجز ]


الصفحة التالية
Icon