والثاني : أنه مفعول ثانٍ لِ « جَعَل » على أنها تصييرية.
والثالث : أنه بدل من الهاء في « جَعَلَهُ » قاله الحوفيّ وجعل الهاء عائدةً على الوعد بالمدد.
والبشرى : مصدر على « فُعْلَى » كالرُّجْعَى.
وقيل : اسم من الإبشار، وتقدَّم الكلام في معنى البُشْرَى في قوله تعالى :﴿ وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ [ البقرة : ٢٥ ].
قوله :﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنًّه معطوف على « بُشْرَى » هذا إذا جعلناها مفعولاً من أجله، وإنما جُرَّ باللام؛ لاختلال شرط من شروط النصب - وهو عدم اتحاد الفاعل - فإن فاعل الجَعْل هو الله - تعالى - وفاعل الاطمئنان القلوب، فلذلك نصب المعطوف عليه لاستكمال الشروط، وجر المعطوف باللام لاختلال شرطه، وقد تقدم، والتقدير : وما جعله إلا للبشرى وللطمأنينة.
والثاني : أنها متعلقة بمحذوف، أي : ولتطمئن قلوبكم، فعلى ذلك، أو كان كيت وكيت.
وقال أبو حيان : و « تطمئن » منصوب بإضمار « أن » بعد لام « كي »، فهو من عطف الاسم على توهم موضع اسم آخر.
ثم نقل عن ابن عطية أنه قال :« اللام في ﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ ﴾ متعلقة بفعل مضمر يدل عليه » جَعَلَهُ « ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به، ولتطمئن به قلوبكم.
قال أبو حيان :» وكأنه رأى أنه لا يمكن - عنده - أن يُعطف ﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ ﴾ على ﴿ بشرى ﴾، على الموضع؛ لأن من شرط العطف على الموضع - عند أصحابنا - أن يكون ثَمَّ مُحْرِز للموضع، ولا محرز هنا؛ لأن عامل الجَرِّ مفقود، ومَنْ لم يشترط المحرز، فيجوز ذلك على مذهبه وسيكون من باب العطف على التوهُّم «.
قال شهاب الدين :» وقد جعل بعضهم الواو في ﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ ﴾ زائدة، وهو لائق بمذهب الأخفش، وعلى هذا فتتعلق اللام بالبشرى، أي : أن البشرى عِلَّة للجَعْل، والطمأنينة علة للبُشْرَى، فهي علة العلة «.
قال ابْنُ الخَطِيبِ : في ذكر الإمداد مطلوبان وأحدهما أقوى في المطلوبية من الآخر :
فأحدهما : إدخال السرور في قلوبهم، وهو المراد بقوله : إلاًَّ بشرى }.
الثاني : حصول الطمأنينة بالنصر، فلا يجنبون، وهذا هو المقصود الأصلي، ففرق بين هاتين العبارتين تنبيهاً على حصول التفاوت بين الأمرين في المطلوبية، فعطف الفعل على الاسم، ولما كان الأقوى حصول الطمأنينة، أدخل حرف التعليل على فعل الطمأنينة، فقال :﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ ﴾ ونظيره قوله :﴿ والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [ النحل : ٨ ] لما كان المقصود الأصلي هو الركوب، أدخَل عليه حرف التعليل، فكذا هاهنا.
قال أبو حيان :» ويناقش في قوله : عطف الفعل على الاسم؛ إذْ ليس من عطف الفعل على الاسم وفي قوله : أدخل حرف التعليل، وليس ذلك كما ذكره «.