﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى ﴾ [ النجم : ٣ ] ؟ وأيضاً فالآية دالة على عصمة الأنبياء، فالأمر الممنوع منه في هذه الآية، إن كان حَسَناً فلِمَ منعه اللهُ؟ وإن كان قبيحاً، فكيف يكون فاعله معصوماً؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن المنعَ من الفعل لا يدل على أن الممنوع كان مُشْتَغَلاً به؛ فإنه تعالى - قال للنبي ﷺ ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ]، وإنه ﷺ لم يُشْرِك قط، وقال :« يا أيها النبي اتق الله » وهذا لا يدل على أنه ما كان يتقي الله، ثم قال :﴿ وَلاَ تُطِعِ الكافرين ﴾ [ الأحزاب : ١ ]، وهذا لا يدل على أنه أطاعهم، والفائدة في هذا المنع أنه لما حصل ما يوجب الغَمَّ الشديد، والغضب العظيم، وهو قَتْل عمه حمزةَ، وقتل المسلمين. والظاهر أن هذا الغضب يَحْمِل الإنسان على ما لا ينبغي من القول والفعل، فنصَّ الله على المنع؛ تقويةً لِعصْمَته، وتأكيداً لطهارته.
والثاني : لعله ﷺ همَّ أن يفعلَ، لكنه كان ذلك من باب تَرْك الأفضل، والأوْلَى، فلا جرم، أرشده الله تعالى إلى اختيار الأوْلَى، ونظيره قوله تعالى :﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله ﴾ [ النحل : ١٢٦-١٢٧ ] فكأنه - تعالى - قال : إن كان لا بد أن تعاقب ذلك الظالمَ فاكتفِ بالمثل، ثم قال ثانياً : وإن تركته كان ذلك أوْلَى، ثم أمره أمراً جازِماً بتَرْكِه، فقال :﴿ واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله ﴾ [ النحل : ١٢٧ ].
ووجه ثالث : وهو أنه ﷺ لما مال قلبه إلى اللعنة عليهم، استأذن ربه فيه، فنزلت الآية بالنص على المنع. وعلى هذا التقدير، فلا يدل هذا النهي على القدح في العِصْمة.
فصل
في معنى الآية قولان :
الأول : ليس لك من مصالح عبادي شيء إلا ما أُوحِي إليك.
وثانيها : ليس لك في أن يتوبَ الله عليهم، ولا في أن يعذبَهم شيء غلا إذا كان على وفق أمري، وهو كقوله :﴿ أَلاَ لَهُ الحكم ﴾ [ الأنعام : ٦٢ ]، واختلفوا في هذا المنع من اللعن، لأي معنًى كان؟
فقيل : الحكمة فيه أنه - تعالى - ربما علم من حال بعض الكفار أنه يتوب، وأنه سيولد له وَلَدٌ، يكون مسلماً، بَرًّا، تقيًّا، فإذا حصل دعاء الرسول ﷺ عليهم بالهلاك، فإن قُبلت دعوتُه فات هذا المقصود، وإنْ لم تُقْبَلْ دعوتُه كان ذلك كالاستخفاف بالرسول ﷺ، فلأجل هذا المعنى منعه الله تعالى - من اللَّعْن، وأمره بأن يُفَوِّضَ الكل إلى علم الله سبحانه وتعالى.
وقيل المقصود منه إظهار عجز العبودية وألا يخوض العبد في أسرار الله تعالى.
قوله :﴿ أَوْ يَتُوبَ ﴾ في نصبه أوجهٌ :
أحدها : أنه معطوف على الأفعال المنصوبة قبلَه، تقديره : لِيقطَعَ، أو يتوبَ عليهم، أو يكبتهم، أو يعذبهم.