وعلى هذا فيكون قوله :﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ ﴾ جملة معترضة بين المتعاطِفَيْن، والمعنى : إن الله تعالى هو المالك لأمرهم، فإن شاء قطع طرفاً منهم، أو هزمهم، أو يتوب عليهم إن أسلموا ورجعوا، أو يعذبهم إن تمادَوْا على كُفْرهم، وإلى هذا التخريج ذهب جماعة من النحاة كالفراء، والزجاج.
الثاني : أن « أو » هنا بمعنى « إلا أن » كقولهم : لألزمنك أو تقضين حقي أي : إلا أن تقتضينه.
الثالث :« أوْ » بمعنى :« حتى »، أي : ليس لك من الأمر شيء حتى يتوب وعلى هذين القولين فالكلام متصل بقوله :﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾، والمعنى : ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب عليهم بالإسلام، فيحصل لك سرور بهدايتهم إليه، أو يعذبهم بقتل، أو نار في الآخرة، فتشقى بهم، وممن ذهب إلى ذلك الفراء، وأبو بكر بن الأنباري، قال الفراء : ومثل هذا من الكلام : لألزمنك أو تعطيني، على معنى إلا أن تُعطيني وحتى تعطيني وأنشدوا في ذلك قول امرئ القيس :[ الطويل ]
١٦١٣- فَقُلْتُ لَهُ :
لاَ تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّمَا | تُحَاوِلُ مُلْكاً، أوْ تَمُوتَ، فَُعْذَرَا |
قال شهاب الدين :« وفي تقدير بيت امرئ القيس ب » حتى « نظر؛ إذ ليس المعنى عليه؛ لأنه لم يفعل ذلك لأجل هذه الغاية، والنحويون لم يقدروه إلا بمعنى : إلا أنْ ».
الثالث : منصوب بإضمار :« أنْ » عطفاً على قوله :« الأمر »، كأنه قيل : ليس لك من الأمر أو من توبته عليهم، أو تعذيبهم شيء، فلما كان في تأويل الاسم عُطِفَ على الاسم قبلَه، فهو من باب قوله :[ الطويل ]
١٦١٤- فَلَوْلاَ رِجَالٌ مِنْ رِزَامٍ أعِزَّةٌ | وَآلُ سُبَيْعٍ، أوْ أسُوءَكَ عَلْقَمَا |
١٦١٥- لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ، وَتَقَرَّ عَيْنِي | أحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ |
وقرأ أبَيّ : أو يتوبُ، أو يعذبهم، برفعهما على الاستئناف في جملة اسمية، أضْمِر مبتدؤُها، أي : هو يتوبُ، ويعذبُهم.
فصل
يحتمل أن يكون المراد من هذا العذاب : هو عذاب الدنيا - بالقَتْل والأسْر - وأن يكون عذابَ الآخرة، وعلى التقديرين فعِلْمُ ذلك مُفَوَّضٌ إلى الله تعالى.
قوله :﴿ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ جملة مستقلة، والمقصود من ذكرها : تعليل حسن والتعذيب، والمعنى : إن يعذبهم فبظلمهم.
واعلم أنه إذا كان الغرض من الآية منعه من الدعاء على الكفار صَحَّ ذلك، وسمَّاهم ظالمين؛ لأن الشرك ظلم، بل هو أعظم الظلم؛ لأن الله تعالى قال :﴿ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [ لقمان : ١٣ ].
وإن كان الغرضُ منها منعه من الدعاء على المسلمين الذين خالفوا أمره، صح الكلام - أيضاً -؛ لأن من عصى الله، فقد ظلم نفسه.