ورُوي أنَّ عَائِشَةَ تصدَّقَتْ بحَبَّة عِنَبٍ.
الصفة الثانية : قوله :﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ يجوز فيه الجر والنَّصب على ما تقدم قبله.
والكَظْم : الحبس، يقال : كظم غيظه، أي : حبسه، وكَظَم القربة والسقاء كذلك، والكظم - في الأصل - مخرج النفَس، يقال : أخذ بكظمه، أي : أخذ بمجرى نفسه.
والكُظوم : احتباس النفس، ويُعَبَّر به عن السكوت، قال المبرد : تأويله أنه كتمه على امتلاء به منه، يقال : كَظَمْتُ السِّقَاءَ، إذا ملأته وسددت عليه، وكل ما سددت من مجرى ماء، أو باب، أو طريق، فهو كَظْم، والذي يُسَدّ به يقال له : الكظامة والسدادة، ويقال للقناة التي تجري في بطن الأرض : كظامة، لامتلائها بالماء كامتلاء القربة المكظومة، والمَكْظُوم : الممتلئ غيظاً، وكأنه - لغيظه لا يستطيع أن يتكلم، ولا يُخرج نفسه، والكظيم : الممتلئ أسَفاً.
قال أبو طالب :[ الكامل ]

١٦١٧- فَحَضَضْتُ قَوْمِي، وَاحْتَسَبْتُ قِتَالَهُمْ وَالْقَوْمُ مِنْ خَوْفِ المَنَايَا كُظَّزُ
وكظم البعيرُ جِرَّتَه، إذا رَدَّها في جَوْفه، وترك الاجترار.
ومنه قول الراعي :[ الكامل ]
١٦١٨- فَأفَضْنَ بَعْدَ كُظُومِهِنَّ بِجِرَّةِ مِنْ ذِي الأبَاطِحِ إذْ رَعَيْنَ حَقِيلا
الحقيل، قيل : نبت.
وقيل : موضع، فعلى الأول هو مفعول به، وعلى الثاني هو ظرف، ويكون قد شذ جره ب « في » ؛ لأنه ظرف مكان مختص، ويكون المفعول محذوفاً، أي : إذْ رعين الكلأ في حقيل، ولا تقطع الإبلُ جِرَّتَها إلا عند الجهد والفزع فلا تجترّ.
ومنه قول أعشى باهلة يصف رجلاً يكثر نحر الإبل :[ البسيط ]
١٦١٩- قَدْ تَكْظِمُ البُزْلُ مِنْهُ حِينَ تُبْصِرُهُ حَتَّى تَقَطَّعَ فِي أجْوَافِهَا الْجِرَرُ
والجرر جمع جِرَّة. والكظامة : حلقة من حديد تكون في طرف الميزان تجمع فيها خيوطه، وهي - أيضاً - السير الذي يُوصَل بوتر القَوْس.
والكظائم : خروق بين البئرين يجري منها الماء إلى الأخرى، كل ذلك تشبيه بمجرى النفَس وتردّده فيه.

فصل


قال ﷺ :« مَنْ كَظَمَ غَيْظاً - وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إنْفاذِهِ - مَلأ اللهُ قَلْبَه أمناً وَإيمَاناً »، وقال ﷺ :« مَنْ كَظَمَ غَيْظاً - وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أن ينفذه - دَعَاهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤوسِ الخَلائِقِ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أيِّ الحُورِ شَاءَ ».
﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ : الذين يَكُفُّونَ عيظهم عن الإمضاء، ونظيره قوله :﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [ الشورى : ٣٧ ]، وقال ﷺ :« لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، لَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ ».
الصفة الثالثة : قوله :﴿ والعافين عَنِ الناس ﴾.
قال القفال : يُحْتَمَلُ أن يكون هذا راجعاً إلى ما ذم من فعل المشركين في أكل الربا، فنهي المؤمنين عن ذلك، ونُدبوا إلى العفو عن المُعْسرين، فإنه تعال قال - عقب قصة الربا والتداين- :﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ ﴾ [ البقرة : ٢٨٠ ] وقال


الصفحة التالية
Icon