[ النساء : ١٥ ]، وقوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ].
قوله :﴿ أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ﴾.
قال الزمخشري :« الفاحشة : ما كان فعله كاملاً في القُبْح، وظُلْمُ النفس هو أي ذَنْب كان، مما يؤاخذُ الإنسانُ به ».
وقيل : الفاحشة : هي الكبيرة، وظلم النفس هو الصغيرة.
وقيل : الفاحشة، هي الزنا، وظلم النفس : هو القُبْلة واللَّمْسَة والنظرة.
وقال مُقاتِلٌ والكَلْبِيُّ : الفاحشة ما دون الزنا من قُبْلَة أو لَمْسَةٍ، أو نظرة، فيما لا يحل.
وقيل : فعلوا فاحشة فِعْلاً، أو ظلموا أنفسهم قولاً.
قوله : رذَكَرُواْ الله } أي : ذكروا وعيدَ الله وعقابه، فيكون من باب حذف المضاف.
قال الضحاك : ذكروا العرض الأكبر على الله.
وقال مُقاتِلٌ والوَاقِدِيُّ : تفكروا أن الله سائلهم.
وقيل : المراد بهذا الذكر : ذكر الله بالثناء والتعظيم والإجلال؛ لأن من أراد أن يسأل الله تعالى مسالةً، فالواجب أن يقدم على تلك المسألة الثناء على الله تعالى، فهاهنا لما كان المراد منه : الاستغفار من الذنوب قدَّموا عليه الثناء، ثم اشتغلوا بالاستغفار، ﴿ فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ أي : ندموا على فِعْل ما مضَى مع العزم على تَرْك مثله في المستقبل، وهذا حقيقة التوبة، فأما الاستغفار باللسان، فلا أثر له في إزالة الذنب، بل يجب إظهار هذا الاستغفار، لإزالة التهمة.
وقوله :﴿ لِذُنُوبِهِمْ ﴾ أي : لأجل ذنوبهم.
قوله :﴿ وَمَنْ يَغْفِرُ ﴾ استفهام بمعنى : النفي، ولذلك وقع بعده الاستثناء.
قوله :﴿ إلاَّ الله ﴾ بدل من الضمير المستكن في « يَغْفِرُ »، والتقدير : لا يغفر أحد الذنوب إلا الله تعالى، والمختار - هنا - الرفع على البدل، لكَوْن الكلام غيرَ إيجاب. وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [ البقرة : ١٣٠ ].
وقال أبو البقاء « مَنْ » مبتدأ، « يَغْفِرُ » خبره، و ﴿ إلاَّ الله ﴾ فاعل « يَغْفِرُ »، أو بدل من المضمر فيه، وهو الوجه؛ لأنك إذا جعلت « اللهُ » فاعلاً، احتجْتَ إلى تقدير ضمير، أي : ومَنْ يغفر الذنوب له غير الله.
قال شهَابُ الدين :« وهذا الذي قاله - أعني : جعله الجلالة فاعلاً - يقرب من الغلط؛ فإن الاستفهام - هنا - لا يُراد به حقيقته، إنما يرادُ » النفي «، والوجه ما تقدم من كون الجلالة بدلاً من ذلك الضمير المستتر، والعائد على » من « الاستفهامية » ز
ومعنى الكلام أن المغفرة لا تُطْلب إلا من الله؛ لأنه القادر على عقاب العبد في الدنيا والآخرة، فكان هو القادر على إزالة العقاب عنه.
قوله :﴿ وَلَمْ يُصِرُّواْ ﴾ يجوز أن تكون جملة حالية من فاعل ﴿ فاستغفروا ﴾ أي : ترتب على فعلهم الفاحش ذكر الله تعالى، والاستغفار لذنوبهم، وعدم إصرارهم عليها، وتكون الجملة من قوله :﴿ وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله ﴾ - على هذين الوجهين معترضة بين المتعاطفين على الوجه الثاني، وبين الحال وذي الحال على الوجه الأول.