قال شِهَابُ الدين : والنحاة إنما فرَّقوا بينهما من جهة أن المنفي ب « لَمْ » هو فعل غير مقرون ب « قد »، والمنفي ب « لما » فعل مقرون بها، و « قد » تدل على التوقُّع، فيكون كلام الزمخشري صحيحاً من هذه الجهة، ويدل على ما قلته - من كون « لم » لنفي فعل فلان، و « لما » لنفي قد فعل - نصُّ سيبويه فمن دونه.
قال الزجاج إذا قيل فعل فلان، فجوابه : لم يفعل، وإذا قيل : قد فعل فلان، فجوابه لما يفعل؛ لأنه لما أُكِّد في جانب الثبوت ب « قد » لا جرم أنه أكد في جانب النفي بكلمة « لما »، وقد تقدم نظير هذه الآية في « البقرة » وظاهر الآية يدل على وقوع النفي على العلم، والمراد : وقوعه على نفي المعلوم، والتقدير : أم حسبتم أن تدخلوا الجنةَ، ولمَّا يصدر الجهادُ عنكم؟
وتقريره : أن العلم متعلق بالمعلوم، كما هو عليه، فلما حَصَلَتْ هذه المطابقة - لا جرم - حَسُن إقامة كلِّ واحدٍ منهما مقامَ الآخر.

فصل


قال القرطبيّ : والمعنى : أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة، كما دخل الذين قُتِلوا، وصبروا على ألم الجراح والقتل، من غير أن تسلكوا طريقهم، وتصبروا صَبْرَهم؟ لا؛ حتَّى يعلم الله الذين جاهدوا منكم، أي : علم شهادة، حتى يقع عليه الجزاء، والمعنى : ولم تجاهدوا، فيعلم ذلك منكم، ف « لما » بمعنى :« لم ».
قوله :« مِنْكُمْ » حال من « الَّذِينَ ».
وقرأ العامة ﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله ﴾ بكسر الميم- على أصل التقاء الساكنين.
وقرأ النخعي وابن وثاب بفتحها، وفيها وجهان :
الأول : أن الفتحة فتحة إتباع الميم ل « اللام » قبلها.
الثاني : أنه على إرادة النون الخفيفة، والأًصل : ولما يعلمن، والمنفي ب « لما » قد جاء مؤكداً بها، كقول الشاعر :[ الرجز ]
١٦٣٧- يَحْسَبُهُ الْجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَمَا شَيْخاً عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا
فلما حذفت النون بقي آخر الفعل مفتوحاً، كقول الشاعر :[ الخفيف ]
١٦٣٨- لا تُهِينَ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أن تَرْ كَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ
وعليه تُخَرَّج قراءةُ :﴿ أَلَم نَشْرَحَ ﴾ [ الشرح : ١ ] - بفتح الحاء-.
وقول الآخر :[ الرجز ]
١٦٣٩- مِنْ أيِّ يَوْمَيَّ مِنَ الْمَوْتِ أفْر مِنْ يَوْمِ لَمْ يُقْدَرَ أوْ يَوْم قُدِرْ
قوله :« ويَعْلَمَ » العامة على فتح الميم، وفيها تخريجان :
أحدهما : وهو الأشهر - أن الفعل منصوب، ثم هل نصبه ب « أن » مقدَّرة بعد الواو المقتضية للجمع كهي في قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن، أي : لا تجمع بينهما - وهو مذهب البصريين - أو بواو الصرف - وهو مذهب الكوفيين - يعنون أنه كان من حق الفعل أن يُعْرَب بإعراب ما قبله، فلما جاءت الواو صرفته إلى وجهٍ آخرَ من الإعراب.


الصفحة التالية
Icon