[ النمل : ١٨ ] فالله - تعالى - أسمع سليمان كلامَ النملة، وأوقفه على معناه وحصل ذلك لمحمد ﷺ حين تكلم مع الذئب والبعير والضَّبِّ.
وثالثها : تقوية قوة الشَّمِّ، كما في حق يعقوب - حين قال :﴿ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ﴾ [ يوسف : ٩٤ ] فأحسّ بها من مسيرة ثلاثة أيامٍ.
ورابعها : تقوية قوة الذوقِ، كما في حق نبيِّنَا ﷺ حين قال :« إن هذا الذراع يخبرني بأنه مسموم ».
خامسها : تقوية قوة اللمس، كما في حق الخليل - عليه السلام - حيث جُعِلَتْ له النارُ بَرْداً وسلاماً وكيف يستبعد هذا ويُشَاهَد مثلُه في السَّمَنْدَل، والنعامة.
وأما الحواس الباطنة فمنها : قوة الحفظ، قال تعالى :﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى ﴾ [ الأعلى : ٦ ]، ومنها : قوة الذكاء : قال عليٌّ - رضي الله عنه - : علمني رسول الله ﷺ ألف باب من العلم، واستنبط من كلّ باب ألف باب. فإذا كان حال الولي هكذا فكيف حال النبي ﷺ ؟
أما القوى المحرِّكة، فمثل عروج الرسول إلى المعراج، وعروج عيسى حيًّا إلى السماء، ورَفْع إدريس وإلياس - على ما وردت به الأخبار - قال تعالى :﴿ قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ [ النمل : ٤٠ ].
وأما القوة الروحانية العقلية، فلا بد أن تكون في غاية الكمال، ونهاية الصفاء، إذا عرفت هذا فقوله :﴿ إِنَّ الله اصطفى آدَمَ وَنُوحاً ﴾ معناه أن الله اصطفى آدم، إمَّا من سكان العالم السفلي - على قول من يقول : الملك أفضل من البشر - أو من سكان العالم العلويّ والسفليّ - على قول من يقول : البشر أفضل المخلوقات - ثم وضع كمال القوة الروحانية في شعبة معينة، من أولاد آدم، وهم شيث وأولاده، إلى إدريس، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم حصل من إبراهيم شعبتان : إسماعيل وإسحاق فجعل إسماعيل مبدأ لظهور الروح القدسية لنبينا محمد ﷺ وجعل إسحاق مبدأ لشعبتين يعقوب وعيصو، فوضع النبوة في نسل يعقوب ووضع الملك في نسل عيصو، واستمرَّ ذلك غلى زمان نبينا محمد ﷺ فلما ظهر محمد نُقِل نور النبوة، ونور الملك إليه، وبقيا - أعني الدين والملك لا تباعد بينهما إلى قيام الساعة.

فصل


من الناس من قال : المرادُ بآل إبراهيم : المؤمنون، لقوله تعالى :﴿ أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب ﴾ [ غافر : ٤٦ ] والصحيح أن المراد بهم الأولاد : إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، وأن محمداً ﷺ من آل إبراهيم.
وقيل : المراد بآل إبراهيم وآل عمران إبراهيم وعمران نفسهما؛ لقوله :﴿ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ موسى وَآلُ هَارُونَ ﴾ [ البقرة : ٢٤٨ ]، وقوله :ﷺ « لَقَد أعُطيَ مِزْمَاراً مِنْ مَزِامِيرِ آله دَاوُد ».


الصفحة التالية
Icon