﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور ﴾ [ سبأ : ١٣ ].
وقوله :﴿ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [ هود : ٤٠ ].
وقال أبُو البَقَاءِ :« وهو قريب من معنى » المعرفة. كأنه يريد أن المراد بالرسل « الجنس »، فالنكرة قريب منه بهذه الحيثية «.
وقراءة الجمهور أولى؛ لأنها تدل على تفخيم الرسل وتعظيمهم.
قال أبو علي : والرسول جاء على ضربين :
أحدهما : أن يراد به المرسل.
والآخر : الرسالة، وهاهنا المراد منه » المُرْسَل «، كقوله تعالى :﴿ إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين ﴾ [ يس : ٣ ] وقوله :﴿ ياأيها الرسول بَلِّغْ ﴾ [ المائدة : ٦٧ ] و » فعول « قد يراد به : المفعول، كالرَّكُوب والحَلُوب لما يُرْكَب ويُحْلَب، والرسول بمعنى الرسالة.
كقوله :[ الطويل ]
١٦٤٤- لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ ما بُحتُ عِنْدَهُم | بِسِرٍّ، ولا أرْسَلتُهُمْ بِرَسُولِ |
فصل
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وأصْحَابُ المَغَازِي : لما رأى خالد بن الوليد الرُّمَاةَ يوم أحد قد اشتغلوا بالغنيمة، ورأى ظهورَهم خاليةً، صاح في خَيْله من المُشْرِكِين، ثم حمل على أصحاب النبي- ﷺ من خلفهم-، فهزموهم، وقتلوهم، ورمى عبد الله بن قمئة رسول الله ﷺ بحَجَر، فكسر أنفه ورباعيته، وشُجَّ في وجهه، فأثقله، وتفرق عنه أصحابُه؛ ونهض رسول الله ﷺ إلى صَخْرَةٍ ليعلوها - وكان قد ظاهر بَيْن دِرْعَيْن - فلم يستطع، فجلس تحته طلحة، فنهض حتى استوى عليها فقال ﷺ أوْجَبَ طَلْحَةُ، ووقعت هند والنسوةُ معها يُمَثِّلْنَ بالقَتْلَى من أصحاب النبي ﷺ يجدعن الآذان والأنوف، حتى اتخذت هند قلائدَ من ذلك، وأعطتها وَحْشِيًّا، ونقرت عن كبد حمزة، فلاكتها، فلم تَستسغها، فلفظَتْها، وأقبل عبدُ الله بن قمئة يريد قَتْلَ النبي ﷺ فذَبَّ مصعب بن عمير وهو صاحب راية النبي ﷺ عنه، فقتله ابنُ قَمِئة، وهو يرى أنه قتل النبي ﷺ فرجع، وقال : إني قتلتُ محمداً، وصاح صارخ : ألا إن محمداً قد قُتِل - قيل : إن ذلك الصارخ كان إبليس - وانكف الناسُ، وجعل رسول الله ﷺ يدعو الناسَ : إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله، فاجتمع إليه ثلاثون رجلاً، فحَمَوْه حتى كسفوا عنه المشركين، ورمى سعدُ بن أبي وقاص حتى اندقت سِيَةُ قوسه، ومثل له رسولُ الله ﷺ كنانته فقال : ارْمِ فداكَ أبي وأمي، وكان أبو طلحةَ رجلاً رامياً، شديد النزع، كسر يومَ أُحُد قوسين أو ثلاثة، فكان الرجل يمر معه بجَعْبَةٍ من النَّبْلِ، فيقول : انثرها لأبي طلحة، وكان إذ رمى يُشْرِفُ النبي ﷺ فينظر إلى موضع نَبْلِهِ، وأَصيبت يَدُ طلحةَ بن عبيد الله فيبست، وقى بها رسول الله ﷺ، وأصِيبتْ عَيْنُ قتادةَ بن النعمان يومئذ، حتى وقعت على وجنته، فردها رسول الله ﷺ مكانَها، فعادت كأحسن ما كانت، فلما انصرف رسولُ الله ﷺ أدْرَكَهُ أبَيّ بن خلف الجُمَحِيّ، وهو يقول : لا نجوتُ إن نَجَا، فقال القوم : يا رسولَ الله، ألا يعطف عليه رجل منا؟ فقال :ﷺ : دَعُوه، حتى إذا دنا منه - وكان أبَيّ كُلَّما لقي رسول الله ﷺ قَبْل ذلك، قال له : عندي دمكة أعلفها كل يوم فَرَق ذُرة؛ أقتلك عليها، فقال ﷺ : بَلْ أنا أقْتُلُكَ إنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ اللهُ ﷺ الحَرْبَة من الحارث بن الصِّمَّة، ثم استقبله فطعنه في عنقه، وخدشه خدشة، فتدأدأ عن فرسه - وهو يخور كما يخور الثور - وهو يقول : قتلني محمد، وحمله أصحابه، وقالوا : ليس بك من بأس، فقال : أليس قال لي : أقتلك؟ فلم يلبث إلا يوماً حتى مات بموضع يقال له : سرف.