قال ابن عباس : اشتد غضب الله على مَنْ قتل نبيه، واشتد غضب الله على من رمى وَجْهَ رسول الله قال : وفشا في الناس أن محمداً قد قُتِل فقال بعضُ المسلمين : يا ليت لنا رسولاً غلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان، وبعض الصحابة جلسوا وألقوا بأيديهم.
وقال أناس من أهل النفاق : إن كان محمدٌ قد قُتِل فالحقوا بدينكم الأول، فقال أنَس بن النضر - عم أنس بن مالك : يا قوم، إن كان محمد قد قُتِل فإن ربَّ محمد لم يُقْتَل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله، قوموا، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم قال : اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء - يعني : المسلمين - وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني : المنافقين - ثم شد بسيفه، فقاتل حتى قُتِلَ ثم إن رسول الله ﷺ انطلق إلى الصخرة وهو يدعو الناس، فأوَّل من عرف رسول الله كعب بن مالك، وقال : عرفت عينيه تحت المِغْفر تزهران، فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين، أبشروا؛ هذا رسول الله ﷺ فأشار إليَّ أن أسْكُتَ، فانْحَازَتْ إليه طائفة من أصحابه، فلامهم النَّبيُّ على الفرار. فقالوا : يا رسولَ الله - فديناك بآبائِنَا وأمهاتنا - أتانا الخبر بأنك قُتِلْتَ فَرَعَبتْ قلوبنا، فولَّينَا مُدْبِرِين، فأنزل الله قوله :﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل ﴾.
قوله :﴿ أَفإِنْ مَّاتَ ﴾ الهمزة لاستفهام الإنكار، والفاء للعطف، ورتبتها التقديم؛ لأنها حرف عطف، وإنما قُدِّمت الهمزة؛ لأن لها صَدر الكلام، وقد تقدم تحقيقه وأن الزمخشري يقدِّر بينهما فعلاً محذوفاً تعطف الفاء عليه ما بعدها.
قال ابن الخطيب كَمَالُ الدِّينِ الزَّمَلْكَانِيُّ :« الأوجه : أن يقدر محذوف بعد الهمزة، وقبل الفاء، تكون الفاء عاطفة عليه، ولو صُرِّحَ به لقيل : أتؤمنون به مدة حياته فإن مات ارتددتم، فتخالفوا سُنَنَ أتباع الأنبياء قبلكم في ثباتهم على مِلَلِ أنبيائهم بعد وفاتهم.


الصفحة التالية
Icon