وهذا هو مذهب الزَّمَخْشَرِيِّ، إلا أنَّ الزمخشريَّ - هنا - عبر بعبارة لا تقتضي مذهبه الذي هو حذف جملة بعد الهمزة؛ فإنه قال : الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة قَبْلَها على معنى « التسبيب »، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خُلُوَّ الرُّسُلِ قبله سبباً لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه - بموتٍ أو قَتْل - مع علمهم أن خُلُوَّ الرُّسُلِ قبله، وبقاء دينهم متمسكاً به يجب أن يجعل سبباً للتمسُّك بدين محمد ﷺ لا للانقلاب عنه «.
فظاهر هذا الكلام أن الفاء عطفت هذه الجملة المشتملة على الإنكار على ما قبلها من قوله :﴿ قَدْ خَلَتْ ﴾ من غير تقدير جملة أخرى.
وقال أبو البقاء قريباً من هذا؛ فإنه قال :» الهمزة عند سيبويه في موضعها، والفاء تدل على تعلُّق الشرطِ بما قبله «.
لا يقال : إنه جعل الهمزة في موضعها، فيوهم هذا أن الفاء ليست مقدمة عليها؛ لأنه جعل هذا مقابلاً لمذهب يونس؛ فإن يونس يزعم أن هذه الهمزة - في مثل هذا التركيب - داخلة على جواب الشرط، فهي في مذهبه في غير موضعها وسيأتي تحريره.
و » إن « شرطية، و » مَاتَ « و » انْقَلَبْتُمْ « شرط وجزاء، ودخول الهمزة على أداة الشرط لا يُغَيِّر سبباً من حكمها.
وزعم يونس أن الفعل الثاني - الذي هو جزاء الشرط - ليس هو جزاء للشرط، وإنما هو المستفْهَم عنه، وأن الهمزة داخلة عليه تقديراً، فينوى به التقرير، وحينئذ لا يكون جواباً، بل الجواب محذوف، ولا بد - إذ ذاك - من أن يكون فعل الشرط ماضياً، إذْ لا يُحْذَف الجواب إلا والشرط ماضٍ، ولا اعتبار بالشعر؛ فإنه ضرورة، فلا يجوز عنده أن تقول : إن تكرمني أكرمك ولا يجزنهما، ولا بجزم الأول ورفع الثاني، لأن الشرط مضارع. ولا أإن أكرمتني أكرمك - بجزم أكرمك؛ لأنه ليس الجواب، بل دال عليه، والنية به التقديم، فإن رفعت » أكرمك « وقلت : أإن أكرمتني أكرمك، صح عنده.
فالتقدير عند يونس : أانقلبتم على أعقابكم إن مات محمد ﷺ ؛ لأن الغرض إنكار انقلابهم على أعقابهم بعد موته، وبقول يونس قال كثير من المفسِّرين؛ فإنهم يقولون : ألف الاستفهام دخلت في غير موضعها؛ لأن الغرض إنما هو أتنقلبون إن مات محمد؟
وقال أبو البقاء :» وقال يونس : الهمزة في مثل هذا حقها أن تدخل على جواب الشرط، تقديره : أتنقلبون إن مات؟ لأن الغرض التنبيه، أو التنبيخ على هذا الفعل المشروط «.