وذهب ابنُ جني إلى أنها - في الأصل - مصدر أوَى يأوِي - إذا انضم، واجتمع - والأصل : أوْيٌ، نحو طَوَى يَطْوي طيًّا - فاجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وكأن ابن جنِّي ينظر إلى أن معنى المادة من الاجتماع الذي يدل عليه « أي » فإنها للعموم، والعموم يستلزم الاجتماع.
وهل هذه الكاف الداخلة على « أي » تتعلق بغيرها من حروف الجر، أم لا؟
والصحيح أنها لا تتعلق بشيء؛ لأنها مع « أي » صارتا بمنزلة كلمة واحدة - وهي « كم » - فلم تتعلق بشيء، ولذلك هُجِر معناه الأصلي - وهو التشبيه-.
وزعم الحوفيّّ أنها تتعلق بعامل، فقال :« أما العامل في الكاف، فإن جعلناها على حكم الأصل، فمحمول على المعنى، والمعنى : إصابتكم كإصابة من تقدَّم من الأنبياء وأصحابهم، وإن حملنا الحكم على الانتقال إلى معنى » كم «، كان العامل بتقدير الابتداء، وكانت في موضع رفع، و » قاتل « الخبر، و » مِنْ « متعلقة بمعنى » الاستقرار «، والتقدير الأول أوضح؛ لحمل الكلام على اللفظ دون المعنى، بما يجب من الخفض في » أي «، وإذا كانت » أي « على بابها من معاملة اللفظ، ف » من « متعلقة بما تعلقت به الكاف من الممعنى المدلول عليه » اه. وهو كلام غريب.
واختار أبو حيان أن « كأين » كلمة بسيطة - غير مركبة - وأن آخرها نون - هي من نفس الكلمة - لا تنوين؛ لأن هذه الدعاوى المتقدمة لا يقوم عليها دليل، وهذه طريق سهلة، والنحويون ذكروا هذه الأشياء؛ محافظةً على أصولهم، مع ما ينضم إلى ذلك من الفوائد، وتمرين الذهن. هذا ما يتعلق بها من حيث التركيب، فموضعها رفع بالابتداء، وفي خبرها أربعة أوجه :
أحدها : أنه « قاتل » فإن فيه ضميراً مرفوعاً به، يعود على المبتدأ، والتقدير : كثير من الأنبياء قاتل.
قال ابو البقاء : والجيد أن يعود الضمير على لفظ « كأين »، كما تقول : مائة نبي قُتِل، فالضمير للمائة؛ إذ هي المبتدأ.
فإن قيل : لو كان كذلك لأنثت، فقلت : قُتِلَتْ؟
قيل : هذا محمول على المعنى؛ لأن التقدير : كثير من الرجال قُتِل.
كأنه يعني بغير الجيد عوده على لفظ « نَبِيّ »، فعلى هذا جملة ﴿ مَعَهُ رِبِّيُّونَ ﴾ جملة في محل نصب على الحال من الضمير في « قُتِل ».