وقوله : صفة ل « رَبِّيُّونَ » يعني : أن القتل من صفتهم في المعنى، وقوله :« فيصير في الخبر أربعة أوجه » يعني : ما تقدم له من أوجه ذكرها، وقوله : فلا ضمير فيه - على هذا - والجملة صفة « نبي » غلط؛ لأنه يبقى المبتدأ بلا خبرٍ.
فإن قلتَ : إنما يزعم هذا لأنه يقدر خبراً محذوفاً؟
قلت : قد ذكر أوجهاً أخَر؛ حيثُ قال :« ويجوز أن تكون صفة ل » نَبِيٍّ « والخبرُ محذوفٌ - على ما ذكرنا ».
ورجَّح كونَ قَاتَلَ مسنداً إلى ضمير النبي أن القصة بسبب غزوةِ أحُدٍ، وتخاذل المؤمنين حين قيل : إن محمداً قد ماتَ مقتولاً؛ ويؤيدُ هذا الترجيح قوله :﴿ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ﴾ [ آل عمران : ١٤٤ ] وإليه ذهب ابنُ عباسٍ والطبريُّ وجماعة. وعن ابن عباسٍ - في قوله :﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ﴾ [ آل عمران : ١٦١ ] - قال : النبي يُقتل فكيف لا يُخَان؟
وذهب الحسنُ وابن جُبَيرٍ وجماعة إلى أن القتلَ للرِّبِّيِّينَ، قالوا : لأنه لم يُقْتَل نبيٌّ في حَرْب قط ونصر الزمخشري هذا بقراءة قُتِّل - بالتشديد - يعني أنّ التكثيرَ لا يتأتى في الواحد - وهو النبي - وهذا - الذي ذكره الزمخشريُّ - سبقه إليه ابنُ جني - وسيأتي تأويله-.
وقرأ ابن كثيرٍ، ونافع، وأبو عمرو : قُتِل - مبنياً للمفعول - وقتادة كذلك، إلا أنه شدد التاء، وباقي السبعة : قاتل، وكل من هذه الأفعال يصلح أن يرفع ضمير « نَبِيّ » وأن يرفع « رِبِّيُّونَ » - كما تقدم تفصيلُهُ-.
وقال ابنُ جني : إنَّ قراءة : قُتّل - بالتَّشْديد - يتعين أن يسند الفعل فيها إلى الظاهر - أعني :« رِبِّيُّونَ » - قال : لأنَّ الواحدَ لا تكثير فيه.
قال أبو البقاء :« ولا يمتنع أنْ يكونَ فيه ضمير الأول؛ لأنه في معنى الجماعةِ ».
يعني أن « مِنْ نَبِيٍّ » المراد به الجنس، فالتكثير بالنسبة لكثرة الأشخاص؛ لا بالنسبة إلى كل فَرْد؛ إذ القتل لا يتكثر في كلِّ فردٍ.
وهذا الجوابُ - الذي أجابَ به أبو البقاءِ- استشعر به أبو الفتحِ، وأجاب عنه، قَالَ : فإن قيل : فهلاَّ جاز فُعِّل؛ حَمْلاً على معنى « كَمْ » ؟
فالجواب : أن اللفظ قد مشى على جهة الإفراد في قوله :« مِنْ نَبِيٍّ } ودلَّ الضمير المفرد » مَعَهُ « على أن المراد إنما هو التمثيلُ بواحدٍ واحدٍ، فخرج الكلامُ على معنى » كم «. قال : في هذه القراءةِ دلالةٌ على أنَّ من قرأ من السَّبْعَةِ » قُتِلَ « أو » قَاتَل مَعَهُ رِبِّيُّونَ « فإن » ربِّيُّونَ « مرفوعٌ في قراءته ب » قُتِل « أو » قَاتَل « وليس مرفوعاً بالابتداء، ولا بالظرف، الذي هو » مَعَه «.


الصفحة التالية
Icon