قال أبو حيّان :« وليس بظاهر؛ لأن » كأين « مثل » كَمْ « وأنتَ خبيرٌ إذا قلتَ : كم من عانٍ فككته، فأفردت، راعيت لفظ » كم « ومعناها جمع، فإذا قلت : فككتهم، راعيت المعنى، وليس معنى مراعاة اللفظ إلا أنك أفردت الضمير، والمراد به الجمع. فلا فرق من حيثُ المعنى - بين فككته وفككتهم، كذلك لا فرق بين قتل معه ربيون، وقتل معهم ربيون، وإنما جاز مراعاة اللفظ تارةً، ومراعاة المعنى تارة؛ لأن مدلول » كم « و » كأين « كثير، والمعنى : جمع كثير، وإذا أخبرت عن جمع كثيرٍ فتارةً تفرد؛ مراعاةً للفظ، وتارة تجمع؛ مراعاة للمعنى، كما قال تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر ﴾ [ القمر : ٤٤ و ٤٥ ]، فقال :» مُنْتَصِر « وقال :» وَيُوَلُّونَ « فأفرد في » مُنْتَصِرٌ « وجمع في » يُوَلُّونَ «.
ورجح بعضهم قراءة »
قَاتَلَ « لقوله - بعد ذلك - :﴿ فَمَا وَهَنُواْ ﴾ قال : وإذا قتلوا، فكيف يوصفون بذلك؟ إنما يوصف بهذا الأحياء؟
والجوابُ : أن معناه : قتل بعضهم، كما تقول : قُتِلَ بنو فلانٍ في وقعة كذا، ثم انصرفوا.
وقال ابن عطية : قراءة من قَرَأ »
قَاتَلَ « أعم في المدْحِ؛ لأنه يدخل فيها من قتل ومن بقي، ويحسن عندي - على هذه القراءة - إسنادُ الفعل إلى الربيين، وعلى قراءة : قتل - إسناده إلى » نبي «.
قال أبو حيّان :»
قتل « يظهر أنها مدح، وهي أبلغ في مقصود الخطاب؛ لأنها نَصٌّ في وقوع القتل، ويستلزم المقاتلة. و » قَاتَل « لا تدلُّ على القتل؛ إذ لا يلزم من المقاتلة وجود القتل؛ فقد تكون مقاتلة ولا يقع قتل.
قوله :﴿ مِّن نَّبِيٍّ ﴾ تمييز ل »
كَأيِّنْ « لأنها مثل » كم « الخبرية.
وزعم بعضهم أنه يلزم جره ب »
من « ولهذا لم يجئ في التنزيل إلا كذلك، وهذا هو الأكثرُ الغالب. قال وقد جاء تمييزُها منصوباً، قال الشاعرُ :[ الخفيف ]

١٦٥٢- أطْرُدِ الْيَأسَ بِالرَّجَاءِ فَكَائِن آلِماً حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرِ
وقال آخر :[ الطويل ]
١٦٥٣- فَكَائِنْ لَنَا فَضْلاً عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةً قَدِيماً، وَلاَ تَدْرُونَ مَا مَنُّ مُنْعِمِ
وأما جره فممتنع؛ لأن آخرَها تنوين، وهو لا يثبت مع الإضافة.
و »
ربيون « : جمع رِبِّيّ، وهو العالم، منسوب إلى الرَّبّ، وإنما كُسِرت راؤه؛ تغييراً في النسب، نحو : إمْسِيّ - في النسبة إلى أمس - وقيل : كُسِر للإتباع.
وقيل : لا تغيير فيه، وهو منسوب إلى الرُّبة - وهي الجماعة - وقرأ الجمهور بكسر الرَّاءِ، وقرأ عليّ، وابنُ مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، والحسنُ »
رُبِّيُّونَ « - بضم الراء - وهو من تغيير النسبِ، إذا قلنا : هو منسوب إلى الربِّ، وقيل : لا تغيير، وهو منسوب إلى الربة، وهي الجماعة.


الصفحة التالية
Icon