قال القرطبيُّ « واحدهم ربِّيّ - بكسر الراء وضمها ».
وقرأ ابنُ عباسٍ - في رواية قتادة - رَبِّيُّونَ، بفتحها على الأصل، إن قلنا : منسوب إلى الرَّبِّ، وإلا فمن تغيير النسب، إن قلنا : إنه منسوب إلى الربة.
قال ابن جني : والفتح لغة تميم.
وقال النقاشُ :« هم المكثرون العلم » من قولهم : رَبَ الشيء يربو - إذا كَثر - وهذا سَهْوٌ منه؛ لاختلاف المادتين؛ لأن تلك من راء وياء وواو، وهذه من راء وباء مكررة. قال ابن عبَّاسٍ ومجاهدٌ وقتادةُ : الجماعات الكثيرة وقال ابنُ مسعودٍ : والربيون : الألوف.
وقال الكلبيّ : الرِّبِّيَّة الواحدة : عشرة آلاف.
وقال الضَّحَّاك : الرَّبِّيَّة الواحدة ألف، وقال الحسنُ : رِبِّيُّون : فُقَهاء وعُلَماء.
وقيل : هم الأتباع، فالربانيون : الولاة، و الربانيون : الرعية. وحكى الواحديُّ - عن الفرّاءِ - الربانيون : الألوف.
قوله :« كَثِيرٌ » صفة لِ « رِبِّيُّونَ وإن كان بلفظ الإفرادِ؛ لأن معناه الجمع.
فصل
معنى الآية - على القراءة الأولى - أن كثيراً من الأنبياء قُتِلوا، والذين بَقُوا بعدهم ما وَهَنوا في دينهم، بل استمرُّوا على نُصْرَة دِينهم [ وقتال ] عدوِّهم، فينبغي أن يكون حالُكُم - يا أمة محمدٍ - هكذا.
قال القفالُ : والوقف - في هذا التأويل - على قوله :» قُتِل « وقوله ﴿ مَعَهُ رِبيُّونَ كَثِيرٌ ﴾ حال، بمعى : قُتِل حال ما كان معه ربيون كثير. أو يكون على معنى التقديم والتأخير أي : وكأين من نبي معه ربيون كثيرٌ، فما وهن الربيون على كثرتهم.
وقيل : المعنى : وكأين من نبي قُتِل ممن كان معه وعلى دينه ربيون كثيرٌ، فما ضَعُفَ الباقون، ولا استكانوا؛ لقَتْل من قُتِل من إخوانهم، بل مضوا على جهاد عدوهم، فقد كان ينبغي أن يكون حالكم كذلك.
وحُجَّة هذه القراءة أنّ المقصودَ من هذه الآية حكاية ما جرى لسائر الأنبياءِ؛ لتقتدي هذه الأمة بهم. والمعنى على القراءة الثانية- : وكم من نبي قاتل معه العددُ الكثيرُ من أصحابه، فأصابهم من عدوهم قروح، فما وَهَنُوا؛ لأن الذي أصابهم إنما هو في سبيل اللهِ وطاعته، وإقامة دينه، ونصرة رسوله، فكذلك كان ينبغي أن تفعلوا مثل ذلك يا أمةَ مُحَمدٍ.
وحجة هذه القراءة : أن المراد من هذه الآية ترغيب الذين كانوا مع النبي ﷺ في القتال، فوجب أن يكون المذكورُ هو القتال، وأيضاً رُوِي عن سعيد بن جبيرٍ أنه قال : ما سمعنا بنبي قُتِل في القتال. قوله :﴿ فَمَا وَهَنُواْ ﴾ الضمير في » وَهَنُوا « يعود على الربِّيِّين بجُمْلتهم، إن كان قُتِل مسنداً إلى ضمير النبي ﷺ وكذا في قراءة » قَاتَلَ « سواء كان مسنداً إلى ضمير النبي، أو إلى الربِّيين، فالضمير يعود على بعضهم وقد تقدم ذلك عند ترجيح قراءة » قاتل «.