فصل
وقد تقدم في قصة أُحُد - أن النبي ﷺ جعل أُحُداً خَلْفَ ظَهْره، واستقبل المدينة، وأقام الرماةَ عند الجبلِ، وأمرهم أن يثبتوا هناك، ولا يبرحوا - سواء كانت النُّصْرَة للمسلمين أو عليهم - فلما أقبل المشركونَ جعل الرُّمَاة يَرْشُقُون خيلها، والباقون يضربونهم بالسيوفِ، حتّى انهزموا، والمسلمون على آثارهم يحسونهم، أي : يقتلونهم قتلاً كثيراً.
وقوله :﴿ حتى إِذَا فَشِلْتُمْ ﴾ في « حَتَّى » قولان :
أحدهما : أنها حرف جر بمعنى « إلى » وفي متعلقها - حينئذ - ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أنها متعلقة ب « تَحسُّونَهُمْ » اي : تقتلونهم إلى هذا الوقت.
الثاني : أنها متعلقة ب « صَدَقَكُمْ » وهو ظاهر قول الزمخشريّ، قال :« ويجوز أن يكونَ المعنى : صدقكم اللهُ وَعْدَه إلى وقت فَشَلِكم ».
الثالث : أنّها متعلقة بمحذوف، دَلَّ عليه السياقُ.
قال أبو البقاء :« تقديره : دام لكم ذلك إلى وقتِ فَشَلِكُم ».
القول الثاني : أنَّها حرف ابتداءٍ داخلة على الجملة الشرطية، و « إذَا » على بابها - من كونها شرطية - وفي جوابها - حينئذٍ - ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : قال الفرّاء : جوابها « وَتَنَازَعْتُمْ » وتكون الواو زائدة، كقوله :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ ﴾ [ الصافات : ١٠٣-١٠٤ ] والمعنى ناديناه، كذا - هنا - الفشل والتنازع صار موجباً للعصيان، فكأنَّ التقدير : حتى إذا فَشِلْتُم، وتنازعتم في الأمر عصيتم.
قال : ومذهب العرب إدخال الواو في جواب « حَتَّى » كقوله :﴿ حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ ﴿ الزمر : ٧٣ ] فإن قيل : قوله :{ فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ ﴾ معصية، فلو جعلنا الفشل والتنازُع علةً للمعصية لزم كونُ الشيء علةً لنفسه، وذلك فاسدٌ.
فالجواب : أن المراد من العصيان - هنا - خروجهم عن ذلك المكانِ، فلم يلزم تعليلُ الشيء بنفسه. ولم يَقْبَل البصريون هذا الجوابَ؛ لأن مذهَبهمْ أنه لا يجوزُ جَعْلَ الواو زائدة.
قوله :﴿ ثُمَّ صَرَفَكُمْ ﴾ و « ثم » زائدة.
قال أبو علي : ويجوز أن يكون الجواب ﴿ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ﴾ و « ثُمَّ » زائدة، والتقدير : حتى إذا فشلتم وتنازعتم وعصيتم صرفكم عنهم. وقد أنشد بعضُ النحويين في زيادتها قول الشاعر :[ الطويل ]
١٦١- أرَانِي إذَا مَا بِتُّ بِتُّ عَلَى هَوًى | فَثُمَّ إذَا أصْبَحْتُ أصْبَحْتُ غَادِيَا |
والثالث - وهو الصحيحُ - أنه محذوف، واختلفت عبارتهم في تقديره، فقدَّرَه ابنُ عطيةَ : انهزمتم وقدَّره الزمخشريُّ : منعكم نصرَه.