الثاني : ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني : وهو أنَّ المرادَ من قوله :﴿ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ﴾ أنه - تعالى - أزال ما كان في قلوب الكفارِ من الرُّعْبِ من المسلمينَ؛ عقوبةً منه على عصيانهم وفَشَلِهم، ثم قال :﴿ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾ أي : ليجعل ذلك الصَّرْف محنةً عليكم؛ لتتوبوا إلى اللهِ، وترجعوا إليه، وتستغفروه من مخالفة أمرِ النبي ﷺ ومَيْلكم إلى الغنيمةِ، ثم أعلمهم أنهُ - تعالى - قد عفا عَنْهُم.
الثالثُ : قال الكَعْبي :﴿ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ﴾ بأ، لم يأمركم بمعاودتهم من فورهم ﴿ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾ بكثرة الإنعام عليكم.
قوله :﴿ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ﴾ ظاهره يقتضي تقدُّم ذَنْب منهم.
قال القاضي إنْ كان ذلك الذنبُ من الصغائر صحَّ أن يصف نفسه بأنّه عفا عنهم من غير توبة، فإن كان من الكبائرِ، فلا بد من إضمار توبتهم؛ [ الإقامة ] الدلالةِ على أن أصحاب الكبائر إذا لم يتوبوا لم يكونوا من أهل العفو والمغفرةِ.
وأجيب بأنَّ هذا الذنبَ لا شك أنه كان كبيرة، لأنهم خالفوا صريحَ نَصَّ الرسول ﷺ وصارت تلك المخالفة سبباً لانهزام المسلمينَ، وقُتِلَ جَمْعٌ كبيرٌ من أكابرهم، ومن المعلوم أن ذلك كله من باب الكبائرِ.
وأيضاً ظاهر قوله تعالى :﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾ [ الأنفال : ١٦ ] يدل على كونه كبيرة، ويضعف قول من قال : إنه خاص في بَدْر؛ لأن اللفظَ عامٌّ، ولا تفاوت في المقصودِ، فكان التخصيصُ ممتنعاً، ثم إن ظاهرَ هذه الآية يدل على أنه - تعَالَى - عفا عنهم من غير توبةٍ؛ لأنه لم يذكر التوبة، فدلَّ على أنه - تعَالَى - قد يعفو عن أصحاب الكبائرِ، ثم قال :﴿ والله ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين ﴾ وهو راجعٌ إلى ما تَقَدَّمَ من ذكر النعم؛ فإنه نصرهم - أولاً - ثم عفا عنهم - ثانياً - وهذا يدل على أن صَاحِبَ الكبيرةِ مُؤمِنٌ.


الصفحة التالية
Icon