الثالث : أنه محذوفٌ، أي : ومنكم طائفة وهذا يُقَوِّي أنَّ معناه التفصيل، والجملتان صفة لِ « طَائِفَةٌ » أو يكون « يَظُنُّونَ » حالاً من مفعول « أهَمَّتْهُمْ » أو من « طَائِفَةٌ » لتخصُّصه بالوَصْف، أو خبراً بعد خبر إن قلنا :﴿ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ ﴾ خر أول. وفيه من الخلاف ما تقدم.
الرابع : أن الخبر ﴿ يَقُولُونَ ﴾ والجملتان قبله على ما تقدّم من كونهما صفتين، أو خبرين، أو إحداهما خبر، والأخْرَى حالٌ.
ويجوز أن يكون ﴿ يَقُولُونَ ﴾ صفة أو حالاً - أيضاً - إن قلنا : إن الخبرَ هو الجملة التي قبله، أو قلنا : إن الخبر مُضْمَرٌ.
قوله :﴿ يَظُنُّونَ ﴾ له مفعولان، فقال أبو البقاءِ :﴿ غَيْرَ الحق ﴾ المفعولُ الأولُ، أي أمراً غير الحق، و « باللهِ » هو المفعول الثاني.
وقال الزمخشريُّ :﴿ غَيْرَ الحق ﴾ في حكم المصدر، ومعناه : يظنون باللهِ غير الظن الحق الذي يجب أي يُظَنَّ به. و ﴿ ظَنَّ الجاهلية ﴾ بدل منه.
ويجوز أن يكون المعنى : يظنون بالله ظن الجاهلية و ﴿ غَيْرَ الحق ﴾ تأكيداً لِ ﴿ يَظُنُّونَ ﴾ كقولك : هذا القول غير ما يقول.
فعلى ما قال لا يتعدى « ظن » إلى مفعولين، بل تكون الباء ظرفية، كقولك : ظننت بزيد، أي : جعلته مكان ظني، وعلى هذا المعنى حمل النحويون قولَ الشاعر :[ الطويل ]
١٦٧١- فَقُلْتُ لَهُمْ :
ظُنُّوا بِألْفَيْ مُدَجَّجٍ | سَرَاتُهُمُ فِي الْفَارِسِيِّ الْمُسَرَّدِ |
ويحصل في نصب ﴿ غَيْرَ الحق ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه مفعول أول لِ « يَظُنُّونَ ».
والثاني : أنه مصدرٌ مؤكِّدٌ للجملة التي قبله بالمعنيين اللذين ذكرهما الزمخشريُّ.
وفي نصب ﴿ ظَنَّ الجاهلية ﴾ وجهان - أيضاً - : البدل من ﴿ غَيْرَ الحق ﴾ أو أنه مصدر مؤكِّد لِ ﴿ يَظُنُّونَ ﴾.
و « بالله » إما متعلِّق بمحذوف على جَعله مفعولاً ثانياً، وإما بفعل الظنِّ - على ما تقدم - وإضافة الظنِّ إلى الجاهلية، قال الزمخشريُّ :« كقولك : حاتم الجود، ورجل صدقٍ، يريد : الظنَّ المختص بالملة الجاهلية، ويجوز أن يراد ظن أهل الجاهلية ».
وقال غيره : المعنى : المدة الجاهلية، أي : القديمة قبل الإسلامِ، نحو ﴿ حَمِيَّةَ الجاهلية ﴾ [ الفتح : ٢٦ ]
فصل
هؤلاء هم المنافقونَ - عبد الله بن أبيٍّ، ومُعَتب بن قُشَيْرٍ، وأصحابهما - كان همتهم خلاص أنفسهم، يقال : همني الشيء - إذا كان من همي وقصدي - وذلك أن الإنسان إذا اشتدَّ انشغاله بالشيء صار غافلاً عما سواه، فلما كان أحَبُّ الأشياء إلى الإنسان نفسَه، فعند الخوفِ على النفس يصير ذاهلاً عن كل ما سواها، فهذا هو المرادُ من قوله :﴿ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾، وفي هذا الظنِّ احتمالانِ :
أحدهما - وهو الأظهرُ- : أنهم كانوا يقولون في أنفسهم : لو كان محمدٌ مُحِقًّا في دعواه لما سُلِّطَ الكفار عليه - وهذا ظنٌّ فاسدٌ، أما على قول أهلِ السُّنَّةِ فلأنه - تعالى - يفعل ما يشاءُ، ويحكمُ ما يريدُ، لا اعتراض عليه.