وقال الزَّهريُّ والحسنُ « غُزًى » -بالتخفيف- وفيها وجهانِ :
الأول : أنه خفف الزاي، كراهية التثقيل في الجمع.
الثاني : أن أصله : غُزاة -كقُضاة ورُماة- ولكنه حذف تاء التأنيث؛ لأن نفس الصيغة دالَةٌ على الجمع فالتاء مُستغنًى عنها.
قال ابنُ عَطِيَّةَ :« وهذا الحذفُ كثيرٌ في كلامهم.
ومنه قول الشاعر يمدح الكسائِي :[ الطويل ]
يريد : الأبُوَّة -جمع أب- كما أن العمومة جمع عم، والبُنُوَّة جمع ابن وقد قالوا : ابن، وبنو ».١٦٧٤- أبَى الذَّمَّ أخْلاَقُ الْكِسَائِيِّ، وَانْتَحَى بِهِ المَجْدُ أخْلاَقَ الأبُوِّ السَّوابِقِ
ورد عليه أبو حيّان بأن الحذف ليس بكثير، وأن قوله : حذف التاء من عمومة، ليس كذلك، بل الأصل : عموم -من غير تاء- ثم أدخلوا عليها التاء لتأكيد الجمع، فما جاء على « فعول » -من غير تاء- هو الأصل، نحو : عموم وفحول، وما جاء فيه التاء، فهو الذي يحتاج إلى تأويله بالجمع، والجمع لم يُبْنَ على هذه التاء، حتى يُدَّعَى حَذْفُها، وهذا بخلاف قُضَاة وبابه؛ فإنه بني عليها، فيمكن ادعاء الحذف فيه، وأما أبوة وبُنوة فليسا جَمْعَيْن، بل مصدرين، وأما أبُوّ -في البيت- فهو شاذّ عند النحاة من جهة أنه من حقِّهِ أن يُعلَّه، فيقول :« أبَيّ » بقلب الواوين ياءين، نحو : عُصِيّ، ويقال غُزَّاء بالمد أيضاً، وهو شاذ.
فتحصَّل في غازٍ ثلاثة جموع في التكسير : غُزَاة كقُضاة، وغُزًى كصوَّم، وغُزَّاء كصُوَّام، وجمع رابع، وهو جمع سلامة، والجملة كلُّها في محل نصب بالقول.
قال القرطبيُّ :« والمغزية : المرأة التي غزا زوجها، وأتانٌ مُغْزِية : متأخِّرةُ النِّتَاجِ، ثم تنتج وأغْزَت الناقة إذا عسر لِقَاحُها، والغَزْو : قصد الشيء، والمَغْزَى : المَقْصِد، ويقال :-في النسب إلى الغزو : غَزَوِيّ ».
قال الواحديُّ :« في الآية محذوف، يدل عليه الكلام، والتقدير :﴿ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأرض ﴾ فماتوا ﴿ أَوْ كَانُواْ غُزًّى ﴾ فقتلوا، ﴿ لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ ﴾ فقوله :﴿ مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ ﴾ يدل على قتلهم وموتهم ».
فصل
المراد بالضَّرْبِ : السفر البعيد، وقوله :« غُزًّى » هم الغُزَاة الخارجون للجهاد، فكان المنافقونَ يقولون -إذا رَأوْا مَنْ مات في سفر أو غزو- : إنما ماتوا، أو قتلوا بسبب السفر والغزو، وقصدهم بذلك تنفير الناس.
فإن قيل : لم ذكر الغزو بعد الضرب في الأرض -وهو داخل فيه؟
فالجوابُ : أن الضرب في الأرض يرادُ به السفر البعيد، لا القريب، إذ الخارج من المدينة إلى جبل أحدٍ لا يوصف بأنه ضارب في الأرض، وفي الغزو لا فرق بينه وبين قريبه وبعيده، فلذلك أورد الغزو عن الضرب في الأرض.
قوله :﴿ لِيَجْعَلَ الله ﴾ في هذه اللام قولان :
قيل : إنها لام « كَيْ ».
وقيل : إنها لام العاقبة والصيرورة، فعلى القول الأول في تعلُّق هذه اللام وجهانِ :
فقيل : التقدير : أوقع ذلك -أي : القول، أو المعتقد- ليجعله حَسْرَةً، أو ندمَهم، كذا قدره أبو البقاء وأجاز الزمخشريُّ أن تتعلق بجملة النفي، وذلك على معنيين- باعتبار ما يراد باسم الإشارة.