فالجوابُ : أن حُسْنَ التكليف -عندنا- غير مُعَلَّل بِعِلَّة ورعاية [ مصلحة ]، بل اللهُ يفعل ما يشاءُ، ويحكمُ ما يريد.
الثاني : أن [ المقصود ] بقوله :﴿ والله يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ أنه يُحْيي قلوبَ أوليائه وأهل طاعته بالنور والفرقان، ويُميتُ قلوبَ أعدائه من المنافقين بالضلال.
قوله :﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي « يعملون » بالغيبة؛ رَدَّا على ﴿ الذين كَفَرُواْ ﴾ والباقون بالخطاب؛ ردَّا على قوله : و ﴿ لاَ تَكُونُواْ ﴾ وهو خطابٌ للمؤمنينَ.
فإن قيل : الصادر منهم كان قولاً مسموعاً، لا فعلاً مَرْئِيًّا، فلِمَ علَّقه بالبصر دون السمع؟
فالجوابُ : قال الراغبُ : لما كان ذلك القول من الكفار قصداً منهم إلى عمل يحاولونه، خص البصر بذلك، كقولك -لمن يقول شيئاً، وهو يقصد فعلاً يحاوله- : أنا أرى ما تفعله.
قوله :﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ ﴾ اللام هي الموطئة لقسم محذوف، وجوابه قوله :﴿ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ وحُذِفَ جوابُ الشرط؛ لسَدِّ جواب القسم مسده؛ لكونه دالاً عليه وهذا ما عناه الزمخشريُّ بقوله : وهو ساد مسدَّ جواب الشرط. ولا يعني بذلك أنه من غير حذف.
قوله :﴿ أَوْ مُتُّمْ ﴾ قرأ نافع وحمزة والكسائي « مِتُّمْ » -بكسر الميم- والباقون بضمها، فالضَّمُّ مِنْ مَاتَ يَمُوتُ مُتُّ -مثل : قَالَ يَقُولُ قُلْتُ، ومن كسر، فهو من مَاتَ يَمَاتُ مِتُّ، مثل : هَابَ يَهَابُ هِبْتُ، وخَاَفَ يَخَافُ خِفْتُ. روى المبرِّدُ هذه اللغة.
قال شهابُ الدينِ : وهو الصحيحُ من قول أهل العربية، والأصل : مَوْتَ -بكسر العين- كخَوِفَ، فجاء مضارعه على يَفْعَل -بفتح العين-.
قال الشاعر :[ الرجز ]

١٦٧٥- بُنَيَّتِي يَا أسْعَدَ الْبَنَاتِ عِيشي، وَلاَ نأمَنُ انْ تَمَاتِي
فجاء بمضارعِهِ على يَفْعَل -بالفتح- فعلى هذه اللغة يلزم أن يقال في الماضي المسند إلى التاء، أو إحدى أخواتها : مِتُّ -بالكسر ليس إلا- وهو انا نقلنا حركة الواو غلى الفاء بعد سلب حركتها، دلالة على بنية الكلمة في الأصل، هذا أوْلَى من قول من يقول : إن مِتُّ -بالكسر- مأخوذة من لغة من يقول يموت -بالضم في المضارع- وجعلوا ذلك شاذاً في القياس كثيراً في الاستعمال، كالمازني وأبي علي الفارسي، ونقله بعضُهُمْ عن سيبويه صريحاً، وإذا ثبت ذلك لغةً، فلا معنى إلى ادَّعاء الشذوذ فيه.
قوله :﴿ لَمَغْفِرَةٌ ﴾ اللام لامُ الابتداءِ، وهي ما بعدها جواب القسم -كما تقدم- وفيها وجهان :
الأول : وهو الأظهر- : انها مرفوعة بالابتداء، والمسوِّغات -هنا- كثيرة : لام الابتداء، والعطف عليها في قوله :﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ ووصفها، فإن قوله ﴿ مِّنَ الله ﴾ صفة لها، ويتعلق -حينئذٍ- و « خيرٌ » خبر عنها.
والثاني : أن تكون مرفوعةً على خبر ابتداءٍ مُضْمَرٍ -إذا أُرِيدَ بالمغفرة والرحمة القتل، أو الموت في سبيل الله؛ لأنهما مقترنان بالموت في سبيل الله- فيكون التقدير : فلذلك، أي : الموت أو القتل في سبيل الله -مغفرة ورحمة خير، ويكون « خيرٌ » صفة لا خبراً، وإلى هذا نحا ابنُ عطيةَ؛ فإنه قال : وتحتمل الآية أن يكون قوله :﴿ لَمَغْفِرَةٌ ﴾ إشارة إلى الموت، أوالقتل في سبيل الله، فسمى ذلك مغفرة ورحمة؛ إذ هما مقترنان به، ويجيء التقديرُ : لذك مغفرةٌ ورحمةٌ، وترتفع المغفرةُ على خبر الابتداء المقدر، وقوله :« خير » صفة لا خبر ابتداء انتهى، والأول أظهر.


الصفحة التالية
Icon