[ التوبة : ١٢٨ ].
ووجه هذه المِنَّة : أن الرسول ﷺ يدعوهم إلى ما يُخَلِّصُهم من عقابِ الله، ويوصلهم إلى ثواب الله، كقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٧ ] وأيضاً كونه من أنفسهم لأنه لو كان من غير جنسهم لم يَرْكَنوا إليه.
وخص هذه المنة بالمؤمنين لأنهم المنتفعون بها، كقوله :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ].
فصل
قال الواحدي : المَنّ -في كلام العرب- بإزاء مَعَانٍ :
أحدها : الذي يسقط من السماء، قال تعالى :﴿ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى ﴾ [ البقرة : ٥٧ ].
ثانيها : أن تُمَنَّ بما أعطيتَ كقوله :﴿ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى ﴾ [ البقرة : ٢٦٤ ].
ثالثها : القَطْع، كقوله :﴿ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ [ الانشقاق : ٢٥ ] وقوله :﴿ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [ القلم : ٣ ].
رابعها : الإنعام والإحسان إلى مَنْ يطلب الجزاء منه، ومنه قوله :﴿ هذا عَطَآؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [ ص : ٣٩ ]. وقوله :﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾ [ المدثر : ٦ ]. والمنَّان -في صفة الله تعالى- : المُعْطِي ابتداً من غير طلب عِوَضٍ، ومنه الآية :﴿ لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين ﴾ [ آل عمران : ١٦٤ ] أي : أنعم عليهم، وأحْسَن إليهم ببعثِهِ هذا الرسول.
قوله :﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾ [ الجمعة : ٢ ] في محل نصب حال، أو مستأنف.
وقال القرطبي :« يتلو » في موضع نصب، نعت ل « رسولاً » - وقد تقدم نظيرها في البقرة. ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة ﴾ [ آل عمران : ١٦٤ ] معنى الآية : يبلغهم الوحي، ويطهرهم، ويعلمهم الكتاب- أي : معرفة الأحكام الشرعية -والحكمة- أي : أسرارها وعِلَلَها ومنافعها- ثم قال :﴿ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ وهذا وَجْه النعمة؛ لأن ورود العلم عقيب الجهل من أعظم النعم.
قوله :﴿ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ هي « إن » المخففة، واللام فارقة -وقد تقدم تحقيقه- إلا أن الزمخخشري ومكيًّا -هنا- حين جعلاها مخففة قدَّرَا لها اسماً محذوفاً.
فقال الزمخشري :« وتقديره : إن الشأن، وإن الحديث كانوا من قبل ». وقال مكي :« وأما سيبويه فإنه قال » إن « مخففة من الثقيلة، واسمها مضمر، والتقدير -على قوله- : وإنهم كانوا من قبل لفي ضلال مبين » وهذا ليس بجيّد؛ لأن « إن » المخففة إنما تعمل في الظاهر -على غير الأفصح- ولا عمل لها في المضمر ولا يقَدَّر لها اسمٌ محذوفٌ ألبتة، بل تُهْمَل، أو تعمل -على ما تقدم- مع أن الزمخشريَّ لم يُصَرِّحْ بأن اسمها محذوف، بل قال :« إن » هي المخففة من الثَّقِيلَةِ، واللام فارقة بينها وبين النافية، وتقديره : وإن الشأن والحديث كانوا؛ وهذا تفسيرُ معنى لا إعراب.
وفي هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها استئنافية، لا محلَّ لَهَا مِنَ الأعْرَاب.
والثاني أنها محل نَصْب على الحال من المفعول به- في :« يعلمهم » وهو الأظهر.