قال شهابُ الدينِ :« أما قوله : لا يقدِّر الظرف بحرف جَرّ غير » في « فالزمخشريُّ لم يقدر » في « مع » أن « حتى يلزمه ما قال، إنما جعل » أنى « بمنزلة » من أين « في المعنى. وأما عدوله عن الجواب المطابق لفظاً فالعكسُ أولى ».
قوله :﴿ قَدْ أَصَبْتُمْ ﴾ في محل رفع؛ صفة ل « مصيبة ». و « قلتم » -على مذهب سيبوبه- جواب « لما » وعلى مذهب الفارسيّ ناصب لها على حسب ما تقدم من مذهبيهما.
قوله :﴿ قُلْ هُوَ ﴾ هذا الضمير راجع على « المصيبة » من حيثُ المعنى، ويجوز أن يكونَ حذفُ مضافٍ مراعى -أي : سببها- وكذلك الإشارة لقوله :﴿ أنى هذا ﴾ لأن المراد المصيبة.

فصل


وجه النظم : أنه -تعالى- لما أخبر عن المنافقين بأنهم نسبوا الرسول ﷺ إلى الغلول حكى عنهم شُبْهَةً أخرى في هذه الآية، وهي قولهم : لو كان رسولاً من عند الله لما انهزم عسكرهُ من الكفار في يوم أحُدٍ، وهو المرادُ من قولهم : أنى هذا؟
وأجاب الله تعالى عنه بقوله :﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي : هذا الانهزامُ إنما حصل بشؤم عصيانكم.
ومعنى :﴿ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا ﴾ أن المشركين قتلوا من المسلمين -يوم أحُدٍ- سبعين، وقتل المسلمون منهم -يوم بدر- سبعين، وأسروا سبعينَ، والأسيرُ في حكم القتيلِ، لأن الآسر يقتل أسيره إن أراد. ﴿ قُلْتُمْ أنى هذا ﴾ : من أين لنا هذا القتلُ والهزيمة، ونحن مسلمونَ، ورسول الله ﷺ فينا؟ ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾
روى عبيدة السَّلْمَاني عن علي قال : جاء جبريل إلى النبي ﷺ يوم بدر، فقال : يا مُحَمَّدُ، إن الله قد كَرِهَ ما صنع قومك -من أخذهم الفداء من الأسارى- وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا الأسارى، فتضرب أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عِدَّتهم، فذكر ذلك رسول الله ﷺ للنّاسِ، فقالوا : يا رسولَ الله، عشائرنا، وإخواننا، لا، بل نأخذ منهم الفداء، فتتقوّى به على قتال العدو، ونرضى أن يستشهد منا عشدَّتهم، فقُتِلَ منهم -يوم أحدٍ- سبعونَ، عدد أسارى أهل بدر، فهذا معنى قوله :﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي : بأخذ الفداء، واختياركم القتلَ.
وقيل : إنما وقعتم في هذه المصيبة بشُؤم معصيتكم في الأمور المتقدم ذِكرها.

فصل


استدل المعتزلةُ بقوله :﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ على أن أفعال العبد غير مخلوقةٍ لله تعالى من وجوهٍ :
أحدها : أنه لو كان ذلك حاصلاً بخَلْق الله تعالى -ولا تأثير للعبد فيه- كان قوله :﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ كذباً.
ثانيها : أنهم تعجبوا كيف سلط الله الكافرَ على المؤمن؟ فأزال الله ذلك التعجب بقوله : إنما وقعتم في هذا المكروه بشُؤم فعلكم، فلو كان خلقاً لله لم يصح الجوابُ.


الصفحة التالية
Icon