جوَّزوا في موضع « الذين » الألقاب الثلاثة : الرفع والنصب والجر، فالرفعُ من ثلاثةِ أوجهٍ :
أحدهما : أن يكون مرفوعاً على خبر مبتدأ محذوفٍ، تقديره : هم الذين.
ثانيها : أنه بدل من واو « يكتمون ».
ثالثها : أنه مبتدأ، والخبر قوله :« قل فادْرءوا » ولا بُدَّ من حذف عائدٍ، تقديره : قُلْ لَهُمْ.
والنصبُ من ثلاثة أوجه -أيضاً- :
أحدها : النصبُ على الذَّم، أي : أذم الذين قالوا.
ثانيها : أنه بدل من « الذين نافقوا ».
ثالثها : أنه صفة.
والجر من وجهينِ : البدل من الضمير في « بأفواهم » أو من الضمير في « قلوبهم » كقول الفرزدق :[ الطويل ]

١٦٨٧- عَلَى حَالَةٍ لَوْ أنَّ فِي الْقَوْمِ حَاتِماً عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بِالْمَاءِ حَاتِمِ
بجر « حاتم » على أنه بدل من الهاء في « جوده » - وقد تقدم الخلافُ في هذه المسألةِ وقال أبو حيان : وجوَّزوا في إعراب « الذين » وُجُوهاً :
الرفع، على النعت ل « الذين نافقوا » أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف والنصب... فذكره إلى آخره.
قال شهابُ الدينِ : وهذا عجيبٌ منه؛ لأنَّ « الذين نافقوا » منصوب بقوله :« وليعلم » وهم -في الحقيقة- عطف على « المؤمنين » وإنَّمَا كرر العاملَ توكيداً، والشيخُ لا يخفَى عليه ما هو أشكلُ من هذا فيحتمل أن يكون تبع غيرَه في هذا السهو- وهو الظاهر من كلامه- ولم ينظر في الآية، اتكالاً على ما رآه منقولاً، وكثيراً ما يقع الناس فيه، وأن يُعْتَقَدَ أنّ « الذين » فاعل بقوله :« وليعلم » أي : فعل الله ذلك ليعلم هو المؤمنين، وليعلم المنافقون، ولكن مثل هذا لا ينبغي أن يجوز ألبتة.
قوله :« وقعدوا » يجوز في هذه الجملة وجهانِ :
أحدهما : أن تكون حالية من فاعل « قالوا » و « قد » مرادة أي : وقد قعدوا، ومجيء الماضي حالاً بالواو و « قد » أو بأحدهما، أو بدونهما، ثابتٌ من لسان العربِ.
الثاني : أنها معطوفة على الصلة، فتكون معترضة بين « قالوا » ومعمولها، وهو « لو أطاعونا ».
فصل في المراد ب « الذين »
قال المفسّرون المراد ب « الذين » عبدُ بنُ أبَيٍّ وأصحابُهُ. وقال الأصَم : هذا لا يجوزُ؛ لأن عبد الله بن أبي خرج مع النبي ﷺ في الجهادِ يوم أحُدٍ، وهذا القول واقع ممن تخلَّف، لأنه قال :﴿ الذين قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا ﴾ أي في القعود « ما قتلوا » فهو كلامُ متأخرٍ عن الجهاد قاله لمن خرج إلى الجهادِ ولمن هو قوي النية في ذلك؛ ليجعله شُبْهَةً فيما بعد، صارفاً لهم عن الجهاد.


الصفحة التالية
Icon